«غضب شعبي» قرارات اقتصادية تثير جدلاً واسعاً في ظل اتهامات بالتستر على فساد النخبة

الجنوب اليمني: وحدة الرصد

أثار قرار المجلس الرئاسي اليمني الأخير، والذي تضمن تحرير سعر الدولار الجمركي وإلزام توريد الإيرادات إلى البنك المركزي، جدلاً واسعًا بين النشطاء والخبراء الاقتصاديين، حيث تباينت الآراء بين التفاؤل بهذه الخطوات الإصلاحية، والتحذير من تفاقم الأزمات الاقتصادية والمعيشية في ظل غياب التماسك المالي والمؤسسي المطلوب.

استمرار “نهب الدولة” وتجاهل معاناة الشعب

الناشط عامر بشر النهدي يرى أن القرارات الجديدة لا تعدو كونها استمرارًا لـ “نهب الدولة” المنظم من قبل المسؤولين والمتنفذين، الذين يستحوذون على مليارات الريالات شهريًا دون رقابة أو محاسبة، مشيرًا إلى أن الوعود المعسولة بتقسيم الأقاليم لم تعد تنطلي على أحد، وأن أسماء المناطق تستخدم فقط لجلب الدعم الدولي، بينما يعيش المواطنون في فقر مدقع، ويؤكد أن الشعب هو من يدفع ثمن الفساد المستشري، من خلال ارتفاع الأسعار وتدهور الخدمات الأساسية، في حين لا يتم محاسبة المتورطين في اختلاس الموارد.

إغفال استئناف إنتاج النفط والغاز

الخبير الاقتصادي وفيق صالح يوضح أن حزمة الإصلاحات التي أقرها المجلس الرئاسي تركز بشكل أساسي على ضبط الموارد المحلية، عبر رفع سعر الدولار الجمركي، لكنها تتجاهل بشكل ملحوظ قضية استئناف إنتاج النفط والغاز، الذي يعتبر حجر الزاوية في تحقيق الاستقرار الاقتصادي، ويرى أن هذا التجاهل يشي بأن القرارات تتخذ بناءً على المتاح فقط، وليس وفق رؤية استراتيجية شاملة، مما يقلل من فرص تحقيق استدامة مالية حقيقية، ويضيف أن عدم إقرار الموازنة العامة للدولة وترشيد النفقات الحكومية يظل معلقًا، مما يجعل الإصلاحات مجرد وعود دون آليات تنفيذ واضحة.

ممارسات “مخيفة” في ميدان الجباية

الصحفي صلاح السقلدي يكشف عن ممارسات وصفها بـ “المخيفة” في عمليات تحصيل الإيرادات، موضحًا أن شركات النفط والغاز لا تلتزم بتوريد أموالها إلى البنك المركزي، رغم التوجيهات الصادرة بهذا الشأن، وأن العديد من الوزارات والمحافظات لا تحول الإيرادات المركزية المستحقة عليها، ويكشف أيضًا عن أن المنافذ الجمركية، البرية والبحرية والجوية، تدار بشكل غير قانوني، وتشهد تدخلات مباشرة من المحافظين، مما يساهم في نهب رسوم جمركية ضخمة، تستخدم جزئيًا لتمويل مشاريع غير معلنة، ويؤكد وجود صناديق أموال مستحدثة بشكل مخالف للقانون، ونقاط جباية غير قانونية منتشرة على الطرق، تستخدم كأدوات لسرقة موارد الدولة، دون محاسبة المسؤولين، رغم اعتراف مجلس الرئاسة بوجود هذه التجاوزات، ويشير إلى أن منافذ مثل الشحر وقنا ورأس العارة، تم إنشاؤها بشكل غير قانوني وتعمل بنشاط، وهو ما يعتبر “فضيحة كبيرة”، متسائلاً عن الجهة التي ستحاسب المتورطين، ويضيف أن الحكومة تمتلك حسابات في بنك مأرب، وكأنها دولة منفصلة، مما يعمق الفجوة بين المركز والأطراف.

ويضيف السقلدي أن المجلس الرئاسي أصدر قرارًا بإزالة نقاط الجباية غير القانونية من الطرقات، وكلف وزارتي الداخلية والدفاع بتنفيذ ذلك، لكنه يشير إلى أن هذا الطلب تكرر في السابق دون تنفيذ، وأن المواطنين لم يشهدوا أي تغيير على أرض الواقع، وفي الوقت نفسه، يلفت إلى أن رفع الدولار الجمركي يعتمد على شرط أساسي، وهو التحكم في الموارد وتحويلها إلى البنك المركزي، وهو شرط غير متحقق حتى الآن، مما يجعل القرار مهددًا بالفشل إذا لم يتم وضع إطار تنفيذي فعال.

“تحالف لصوصي” و”تعذيب للشعب”

الصحفي الاقتصادي ماجد الداعري يعرب عن استغرابه من تأجيل القرارات الأساسية، رغم منح رئيس الحكومة صلاحيات واسعة من قبل المجلس الرئاسي، مؤكدًا أن ما يحدث هو بمثابة “تعذيب للشعب”، و”تحالف لصوصي” بين من يدير الدولة ويسرقها، ويتساءل عن المبررات التي يمكن أن يقدمها رئيس الحكومة بعد منحه كافة الصلاحيات، مضيفًا أن البنك المركزي في حالة إفلاس، وغير قادر على صرف الرواتب أو تمويل الواردات، فلماذا لا يتم إغلاقه لتخفيف النفقات؟، ويشدد الداعري على أن تحرير سعر الدولار الجمركي لا يمكن تطبيقه إلا بعد استعادة الموارد، وضمان الشفافية في إدارة الإيرادات، وإلا فإن القرار سيؤدي إلى كارثة اقتصادية، خاصة فيما يتعلق بأسعار الوقود والأدوية والسلع الأساسية.