«السعادة قرار».. خطوات بسيطة لحياة هانئة وخالية من المنغصات

«السعادة قرار».. خطوات بسيطة لحياة هانئة وخالية من المنغصات



مصدر الصورة

تخيل نفسك واقفًا على حافة نهر، والقرية المنشودة تلوح في الأفق على الضفة الأخرى، وبينما أنت على وشك القفز، يصدح المشجعون من خلفك بأصوات التشجيع, لكنك في غمرة الحماس، تغاضيت عن قوة التيار الجارف، وبغض النظر عن مدى قوتك، لن تستطيع مجابهة هذه القوة, وعندما تصل أخيرًا إلى الضفة المقابلة، تدرك أن التيار قد جرفك بعيدًا عن وجهتك الأصلية

هذا السيناريو يمثل صورة مصغرة لحياتنا، حيث تجرفنا قوى خارجية لا نملك عليها سيطرة، وتبعدنا عن المسار الذي رسمناه لأنفسنا، وقد لفت انتباهي إلى أهمية هذه العوامل دارين براون، خبير قراءة الأفكار ومصمم الخدع البصرية، ومؤلف كتاب “السعادة” الذي يتناول الأسس الفلسفية والنفسية لتحقيق السعادة وراحة البال

نظرة مغايرة لكتب المساعدة الذاتية

في حين أن كتب المساعدة الذاتية تدعونا إلى مواجهة تحديات الحياة بالإصرار والتفكير الإيجابي، يرى براون أن هذه النصائح غالبًا ما تؤدي إلى الإحباط وخيبة الأمل، ويعزز هذا الرأي استنادًا إلى الفلسفات الإغريقية والرومانية القديمة، مثل الرواقية، وأفكار الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور، بالإضافة إلى نتائج الأبحاث العلمية الحديثة

براون يوضح أنه قد يكون من الأفضل أن نتقبل حقيقة أن القوى التي تحرك حياتنا غالبًا ما تكون خارجة عن إرادتنا، وأن نتعلم كيف نتكيف معها، بدلًا من أن نتوهم بأننا قادرون على التحكم في كل شيء وتسخيره لتحقيق أهدافنا

السحر وخبايا العقل الباطن

قد يتبادر إلى الذهن أن كتاب “السعادة” لا يمت بصلة لعروض براون السحرية وبرامجه التلفزيونية، ولكنه يؤكد أن فنون الخداع البصري تساعده في الوصول إلى منطقة اللاوعي في الدماغ، ويشرح أن السحرة يسعون لتغيير منظورنا للأمور من خلال استبعاد الجوانب المؤلمة، وهذا ما يفعله الدماغ عند استرجاع ذكرياتنا, ويضيف: “اكتشفت أن السحر يحمل أسرارًا قد تساعدنا على تغيير نظرتنا إلى الواقع، لنتمكن من التصالح معه والرضا به”

أقرأ كمان:  «عملية نوعية» الإطاحة بـ"سفير مزيف" يدير سفارة وهمية في الهند



مصدر الصورة

تأثير نظرتنا للأمور على مسار حياتنا

يؤكد براون أن الطريقة التي ننظر بها إلى الأمور تلعب دورًا كبيرًا في رسم مسار حياتنا, فعلى سبيل المثال، إذا كنت ترى نفسك شخصًا غريبًا لا ينسجم مع الآخرين، فستركز ذاكرتك على اللحظات التي شعرت فيها بالإحراج, وبالمثل، إذا كنت مقتنعًا بأنك “غير سعيد في العلاقات العاطفية”، فستختار لنفسك علاقات تعيسة

يشير براون إلى أن هذه القناعات غالبًا ما تتأصل فينا منذ الطفولة، وقد نرثها عن آبائنا الذين مروا بتجارب غير سعيدة, وعندما ننطلق في الحياة بهذه القناعات، قد نعتقد أننا لن نحظى بحب الآخرين إلا إذا حققنا النجاح، أو أننا يجب أن نفضل الآخرين على أنفسنا، أو أن نخفي أسرارنا, وإدراك مصادر هذه القناعات يمكن أن يخفف من حدة التوتر والتعاسة

مخاطر التفكير الإيجابي المفرط

يرى براون أن التفكير الإيجابي والعزيمة والثقة بالنفس، التي تروج لها كتب المساعدة الذاتية، قد تؤثر سلبًا على نظرتنا للأمور, فعندما تتخيل نفسك بطلًا لا يعرف اليأس، قد تشعر بالقوة في البداية، ولكنك ستصاب بخيبة أمل كبيرة إذا فشلت

يشير براون إلى مشكلة أخرى قد تؤدي إلى الإحباط، وهي الفشل في تحديد الأهداف المناسبة, ويقول: “نحن غالبًا لا نمتلك القدرة على تحديد الأهداف التي تجلب لنا السعادة الحقيقية”, فكثيرون يضعون المال كهدف أساسي، على الرغم من أن الأبحاث النفسية أثبتت أن الثراء، بعد تجاوز حد تلبية الاحتياجات الأساسية، لا يضمن السعادة



مصدر الصورة

لتوضيح ذلك، يقترح براون تخيل أنك استيقظت يومًا لتجد نفسك آخر شخص على وجه الأرض، وأنك تستطيع أن تسكن في أي منزل تريده، حتى لو كان قصرًا ملكيًا فخمًا, فهل ستختار فعلًا أن تعيش في قصر؟ ويقول: “ربما ستبحث عن مكان مريح وعملي فقط, وهذا ينطبق على الملابس والسيارات والأجهزة التكنولوجية الحديثة”

أقرأ كمان:  «ضربة البداية» آخر الأخبار المنوعة: تغطية شاملة لأبرز الأحداث والاتجاهات الآن

ويضيف: “إذا فكرت بهذه الطريقة في حياتك، ستندهش من حجم الأشياء التي نقتنيها أو نرغب في اقتنائها لمجرد التباهي وجذب الأنظار”

حتى لو اخترنا الأهداف الصحيحة، يرى براون أن خبراء التفاؤل والتفكير الإيجابي قد يشحذون عزيمتنا لدرجة أننا نصبح مفرطين في الثقة، ونتجاهل انتقادات الآخرين، على الرغم من أن تقييماتهم لفرص نجاحنا قد تكون أكثر واقعية من توقعاتنا

قصص النجاح الباهرة التي نسمعها ليست سوى حالات استثنائية، وغالبًا ما توحي بأن العزيمة هي مفتاح النجاح, ويقول براون: “نحن لا نقرأ قصص رجال الأعمال الذين فشلوا”, ففي الواقع، تفشل تسع من كل عشر شركات ناشئة فشلًا ذريعًا



مصدر الصورة

لا يدعو براون إلى التخلي عن الأحلام، بل يحذر من تجاهل القوى التي تدفعنا في اتجاهات مختلفة، تمامًا كما في مثال السباح الذي يحاول عبور النهر, يجب ألا نعتقد أن قوة الإرادة وحدها ستكفي لمواجهة هذه القوى، لأننا سننحرف عن مسارنا لا محالة

الفلسفة الرواقية كبديل للسعادة

يرى براون أن الفلاسفة الرواقيين يقدمون بديلًا أفضل لتحقيق السعادة, فهم ينصحون بالتفكير مليًا قبل اتخاذ القرارات، والتمييز بين الأمور التي يمكننا تغييرها وتلك التي تخرج عن سيطرتنا, وبالتالي، يجب أن نتعلم كيف نتقبل الأمور التي لا يمكن تغييرها كجزء من حياتنا

ويقول براون: “اعتدت أن أفكر بهذه الطريقة عندما أواجه أمرًا يزعجني أو يحبطني, أسأل نفسي: هل هذا الأمر ناتج عن أفعالي ويمكنني التحكم فيه؟ أم أنه خارج عن إرادتي؟ غالبًا ما يكون الأمر كذلك, وعندها أقول لنفسي: ماذا لو كان الشخص الذي يزعجني مجرد شخص طائش وغبي، أو أن شريكة حياتي لا تستطيع التعامل مع الضغوط, هذه الأمور تؤثر في نفسي، لكنني أحاول تقبلها لأنها ناتجة عن أخطاء الآخرين وليست مشكلتي”

ويضيف براون أن هذا النوع من التفكير يساعد في تجاوز المشاكل لأنه يخفف الأعباء عن كاهلك, يمكنك بعدها أن تقرر مساعدة هذا الشخص إذا أردت، ولكن الأهم هو أنك لن تشعر بالألم العاطفي الذي قد يتسلل إلى نفسك

أقرأ كمان:  «وداعًا لسيولة المكياج!»: نصائح ذهبية لتثبيت مثالي في حرارة الصيف

يستخدم براون مثال مباراة التنس، موضحًا أنه إذا عزمت منذ البداية على الفوز، فإن هذا الهدف يخرج عن سيطرتك, وبمجرد أن تخسر نقاطًا، ستشعر بالقلق والفشل, ولكن إذا قلت لنفسك سأبذل قصارى جهدي لتقديم أفضل أداء، فلن تهتم بالخسارة، لأنك لم تفشل في تحقيق هدفك

وبالمثل، إذا ذهبت إلى مقابلة عمل وأنت مقتنع بأن قرار صاحب العمل خارج عن سيطرتك، حتى لو كان أداؤك ممتازًا، فسيخفف ذلك من ألم الرفض, هذا يتوافق مع الفلسفة الرواقية التي تركز على تجنب المنغصات

ينصح براون بتخصيص بضع دقائق كل صباح للتأمل والتفكير في المشكلات التي قد تواجهها خلال اليوم، والاستعداد لها نفسيًا, فالنظر إلى الأمور بمنطقية وموضوعية يذكرنا بأن بعض الأمور خارجة عن سيطرتنا، ولا يجب أن نسمح لها بتعكير مزاجنا, وفي الوقت نفسه، يساعدنا ذلك في التعامل بحكمة مع التحديات الناتجة عن أفعالنا، لتجنب تكرار الأخطاء

وعن مدى ملاءمة الفلسفة الإغريقية القديمة للحياة العصرية المضطربة، يقول براون: “ظهرت المدرسة الرواقية في عصر الحروب والصراعات السياسية, ولاقت آراء فلاسفتها صدى واسعًا لأنها دعت إلى النأي بالنفس عن الصراعات والتركيز على الذات”

يشدد براون على أن هذا النمط من التفكير لا يعني الاستسلام للسلبية واللامبالاة، بل يساعد في تحقيق الراحة النفسية والسكينة في أوقات الأزمات, هذا يمكننا من اختيار المعارك التي نخوضها، وتجنب الانفعال والغضب في كل خلاف

هذا الانفصال الوجداني يساعدنا في مواجهة تحديات وسائل التواصل الاجتماعي, ويشير براون إلى أن مقارنة حياتنا القاسية بحياة الآخرين المثالية المعروضة على هذه المنصات قد تسبب الحزن، لأننا ننسى أن الجميع يواجهون صعوبات