
بداية القصة كانت باتصال من صديق إعلامي مثقف يحمل في طياته طلبًا فاق الخيال، إذ تحدث عن ابنة أحد معارفه، والتي طالما عُرفت بتفوقها الدراسي طوال سنوات عمرها، ولكنها صُدمت في امتحان الثانوية العامة بحصولها على 52% فقط، ورسبت أيضًا في مادتين ستعيد امتحانهما في الدور الثاني، وحتى مع النجاح فيهما، لن تتعدى نسبتها 52%، فالقاعدة المعروفة هي أن طلاب الدور الثاني لا يحصلون إلا على 50% من الدرجة مهما كانت إجاباتهم، ثم أضاف الصديق أن الطالبة قدمت تظلمات في عدة مواد، أملًا في الحصول على أي درجة إضافية، لكن المفاجأة الكبرى كانت رغبة الطالبة ووالديها في إلحاقها بكلية الطب، نعم، كلية الطب، وسألني الصديق ببراءة: هل من سبيل لتحقيق رغبتها في دراسة الطب، خاصة وأن والدها مقتدر ماليًا ولن تعيقه الرسوم الدراسية الباهظة في أي جامعة؟
لم يخطر ببالي أن يصل الأمر بولي أمر أو طالب حصل على 52% ورسب في مادتين، مع احتمال الفشل في الدور الثاني، أن يفكر في الالتحاق بكلية الطب، بل ويطلب استثناءً، يا له من تفكير، وبالطبع، قرار مجلس الجامعات الخاصة بتخفيض الحد الأدنى لكليات الطب البشري في الجامعات الخاصة والأهلية إلى 79%، وفي جامعات سيناء والإسماعيلية الجديدة والملك سلمان إلى 74%، كان يهدف إلى تشجيع الطلاب على الالتحاق بهذه الجامعات الجديدة، وإتاحة الفرصة للراغبين في التخصصات الطبية أو الهندسية ممّن لم يحالفهم الحظ في الجامعات الحكومية، للدراسة في الداخل بدلًا من السفر والتعرض لمخاطر الغربة وتكاليف الدراسة الباهظة في الخارج، وهذا ما ينطبق على بقية كليات الجامعات الخاصة والأهلية التي خُفض الحد الأدنى بها إلى 75% لكليات المجموعة الأولى و73% للمجموعة الثانية.
### كليات القمة
لكن ليس من المنطقي أن يبحث طالب حاصل على 52% عن كلية طب، مهما كانت ثروة ولي أمره، فالعملية التعليمية ليست مجرد وسيلة لتحقيق الوجاهة الاجتماعية، ولا يمكن لهذا الهوس بكليات الطب والهندسة أن يستمر، فالتعليم الجامعي الجيد لا يقتصر على هذه الكليات فقط، فهناك تخصصات تطبيقية أخرى مطلوبة في سوق العمل، مثل الحاسبات والبرمجة والذكاء الاصطناعي والاتصالات، ولا أتخيل أن طالبًا بهذا المجموع يمكنه استيعاب المواد الدراسية الصعبة في الكليات الطبية، فلو كان متميزًا لما حصل على هذا المجموع المتدني، فالأمر لا يتعلق بالرغبات أو القدرة المالية، بل بالقدرة على الاستيعاب والتميز والرغبة الحقيقية في الدراسة، والتخرج بمؤهل يسمح بممارسة المهنة بنجاح، وليس بأخطاء كارثية نتيجة لعدم التأهيل.
لذلك، تجنبت الدخول في جدال عقيم مع صديقي حول هذا التوجه الغريب من الطالبة وأهلها، واقترحت عليه أن يتوجه إلى فروع الجامعات الأجنبية في العاصمة الإدارية أو القاهرة، فالقبول في هذه الجامعات لا يعتمد على مجموع الثانوية العامة، بل على معايير قبول مختلفة تطبقها الجامعات الأم في أوروبا وكندا وروسيا وغيرها، ولعل الطالبة تنجح في هذه المعايير وتُقبل بغض النظر عن مجموعها المتواضع، ودعوت له بالتوفيق، وتعجبت.