
في تطورات جديدة ومأساوية لحادثة قرية دلجا بمحافظة المنيا، والتي أودت بحياة ستة أطفال ووالدهم، كشف الدكتور محمد إسماعيل، أستاذ السموم بكلية طب المنيا والمشرف على الحالات، عن معلومات مذهلة حول المادة المشتبه بها في التسبب في هذه الكارثة, ووفقًا لتصريحاته، تشير التحقيقات والتحاليل الأولية إلى أن الضحايا تعرضوا للتسمم بمبيد حشري نادر يعرف باسم “كلورفينبير”، وهي مادة شديدة الخطورة ولا يوجد لها ترياق معروف حتى الآن، وهو ما يفسر عدم نجاح محاولات إنقاذ الضحايا على الرغم من الرعاية الطبية المركزة.

أعراض مفاجئة وموت غامض
في يوم الجمعة الموافق 13 يوليو، استقبل مستشفى دير مواس التخصصي أولى الحالات المأساوية، حيث تم إدخال ثلاثة أطفال من نفس العائلة يعانون من قيء حاد، ارتفاع شديد في درجة الحرارة، وتدهور سريع في مستوى الوعي, وعلى الرغم من الجهود المضنية التي بذلها الأطباء، إلا أن الأطفال فارقوا الحياة في وقت قصير، مما أثار صدمة كبيرة بين الطاقم الطبي وأهالي القرية, وفي اليوم التالي، توفي طفل رابع وسط تشخيص أولي خاطئ رجح إصابته بعدوى وبائية أو التهاب سحائي.
لاحقًا، أكدت تحقيقات النيابة العامة، تحت إشراف المحامي العام الأول لنيابات جنوب المنيا، أن السبب الحقيقي للوفاة هو التسمم بمبيد حشري غير شائع الاستخدام، الأمر الذي زاد من تعقيد القضية وفتح الباب أمام العديد من التساؤلات حول كيفية وصول هذه المادة إلى منزل العائلة.

تحسن مؤقت ثم انتكاسة قاتلة
بعد ظهور الأعراض على الطفلتين الأخيرتين من العائلة، رحمة وفرحة، تم نقلهما على الفور إلى مركز السموم، حيث خضعتا لفحوصات شاملة، بما في ذلك تحاليل الدم، الأشعة، وتحاليل للكشف عن المبيدات, في البداية، بدت النتائج طبيعية، لذلك تم وضعهما تحت الملاحظة الدقيقة لمدة 48 ساعة.
لكن هذه الفرحة لم تدم طويلًا، حيث عادت “رحمة” إلى المستشفى في مساء اليوم التالي وهي تعاني من ارتفاع في درجة الحرارة، فقدان للوعي، وتهيج عصبي حاد، مما أدى إلى وفاتها في فجر يوم الثلاثاء, أما “فرحة”، فقد بدأت تظهر عليها أعراض جديدة مثل الصداع الشديد والضعف العام، وتبين لاحقًا وجود ارتفاع في إنزيمات الكلى، مما استدعى نقلها إلى مستشفى الإيمان العام في أسيوط، إلا أنها فارقت الحياة أثناء جلسة غسيل الكلى.

أستاذ سموم يكشف عن مادة قاتلة نادرة وتحقيقات في كل الاتجاهات
أوضح الدكتور إسماعيل أنه تواصل مع أساتذة من جامعتي عين شمس والإسكندرية بعد مواجهة صعوبة في تحديد نوع السم، وأفادت الدكتورة نهاد حامد بأن الأعراض تتشابه مع حادثة مماثلة وقعت في محافظة البحيرة، حيث تبين أن المادة المتسببة هي “كلورفينبير”، وهو مبيد نادر وقاتل معروف بقدرته على الاحتفاظ بسميته حتى عند تعرضه للحرارة أو الغليان، مما يشير إلى أن دخوله إلى الجسم قد يكون عن طريق الطعام المطهو.
وأضاف أن هذا المبيد يستخدم في المجال الزراعي، ويتم تخفيفه بتراكيز محددة للقضاء على الآفات، ويجب استخدامه قبل فترة من الحصاد حتى يتمكن النبات من تحليل مكوناته السامة، وهو ما لم يحدث على الأرجح في هذه الحالة.
في نفس السياق، لا تزال النيابة العامة والأجهزة الأمنية تواصل تحقيقاتها المكثفة لكشف ملابسات وصول هذه المادة إلى المنزل، وما إذا كان الأمر يتعلق بحادث عرضي أو فعل مدبر, كما أشار عم الأطفال، علي محمد، إلى أنه قد تم استخراج جثامين ثلاثة من الضحايا لإعادة فحصها من قبل الطب الشرعي، وذلك في محاولة للحصول على إجابات دقيقة من خلال التحاليل.
يبقى المجتمع المصري بانتظار الكشف عن الحقيقة الكاملة، وسط هذه المأساة الإنسانية التي لم تشهد قرية دلجا مثيلاً لها منذ عقود.