«وداعًا أيها الفنان».. تحديد موعد جنازة زياد الرحباني

«وداعًا أيها الفنان».. تحديد موعد جنازة زياد الرحباني

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)، تلقت الأوساط الفنية نبأً محزنًا بوفاة الفنان زياد الرحباني، نجل السيدة فيروز، صباح يوم السبت عن عمر يناهز 69 عامًا، وقد أعلنت العائلة عن إقامة الصلاة لراحة روحه في كنيسة رقاد السيدة بالمحيدثة، بكفيا في لبنان، وذلك في تمام الساعة الرابعة من بعد ظهر يوم الاثنين المقبل، مخلفًا وراءه إرثًا فنيًا عظيمًا سيظل محفورًا في ذاكرة الأجيال، رحم الله الفنان وأسكنه فسيح جناته

رحيل زياد الرحباني صدمة في الأوساط الفنية

لقد كان خبر رحيل الفنان اللبناني زياد الرحباني بمثابة الصدمة لمحبي فنه في لبنان، سوريا، وكل أنحاء العالم العربي، وسارع العديد من الفنانين اللبنانيين إلى نعيه، واصفين إياه بالعبقري، الثائر، صاحب الرأي الحر، والبصمة الفريدة التي لا تُنسى في مسيرته الفنية، فقد كان زياد قامة فنية استثنائية، وستبقى أعماله خالدة في قلوب محبيه، فقد كان فنانًا ملتزمًا بقضايا وطنه وأمته، ومدافعًا عن الحق والعدالة، وستظل كلماته وألحانه تلهم الأجيال القادمة، وسيظل زياد الرحباني رمزًا للإبداع والتميز في عالم الفن والموسيقى

نشأة في كنف عائلة فنية عريقة

ولد الفنان الراحل في مطلع يناير/ كانون الثاني من عام 1956، في بلدة أنطلياس بمنطقة المتن في لبنان، وترعرع في كنف عائلة فنية عريقة، فوالده هو الموسيقار الكبير عاصي الرحباني، ووالدته هي الفنانة الأسطورية فيروز، وينتمي إلى عائلة الرحباني، التي تُعد من أشهر العائلات الموسيقية في لبنان والعالم العربي، لقد نشأ زياد في بيئة فنية ثرية، مما ساهم في صقل موهبته وتنمية حسه الفني، وتأثر بفن والده ووالدته، ولكنه استطاع أن يشق طريقه الخاص ويتميز بأسلوبه الفريد، لقد كان زياد الرحباني فنانًا متعدد المواهب، فهو ملحن، مؤلف موسيقي، كاتب مسرحي، وممثل، وقد ترك بصمة واضحة في كل مجال من هذه المجالات

مسيرة فنية متميزة

كان من الممكن أن يسير زياد على خطى عائلته، وأن يبقى تحت ظلهم، ولكنه اختار أن يسلك طريقًا مختلفًا، وأن ينهل من معينهم ثم ينطلق بأسلوبه الخاص، ليشكل رافدًا أساسيًا للفن اللبناني والعربي، حيث مزج ببراعة بين الموسيقى التراثية الأصيلة والموسيقى الغربية، ولا سيما موسيقى الجاز، فقد استطاع زياد أن يخلق توليفة فنية فريدة من نوعها، وأن يجمع بين الأصالة والمعاصرة، مما جعله فنانًا متميزًا ومختلفًا عن غيره، لقد كان زياد الرحباني فنانًا جريئًا ومبدعًا، وقد أثرى الفن اللبناني والعربي بالعديد من الأعمال الخالدة

أقرأ كمان:  «دليل شامل».. كيف تختار عبارات الوشم التي تعكس جوهر شخصيتك؟

فن زياد الرحباني: مرآة الواقع

لقد أنتج الراحل فنًا يحمل بصمته الخاصة، فن زياد الرحباني المؤلف الموسيقي الرائد، الصوت المسرحي الناقد، البالغ الجرأة والحساسية، والذي لجأ إلى السخرية ليقدم صورة واقعية، وإن كانت مريرة، لوطنه لبنان الذي عانى من ويلات الحرب الأهلية بين عامي 1975 و 1990، وسط عالم مليء بالتناقضات، فقد كان فن زياد مرآة تعكس الواقع بكل ما فيه من ألم ومعاناة، ولكنه كان أيضًا فنًا يحمل الأمل والتفاؤل، ويدعو إلى التغيير والإصلاح، لقد كان زياد الرحباني فنانًا ملتزمًا بقضايا مجتمعه، ومدافعًا عن حقوق الإنسان، وستظل أعماله شاهدة على عصره

بدايات مبكرة وموهبة متفجرة

في أواخر ستينيات القرن الماضي، وبينما لم يتجاوز زياد الثانية عشرة من عمره، أصدر ديوانه الشعري- النثري “صديقي الله”، وذلك برعاية والده الراحل عاصي الرحباني، لقد كانت هذه البداية المبكرة دليلًا على موهبة زياد الفذة، وقدرته على التعبير عن نفسه وعن رؤيته للعالم من حوله، فقد كان زياد يتمتع بذكاء حاد، وحس فني مرهف، وقدرة على الإبداع والابتكار، وقد استغل هذه المواهب لخدمة الفن والمجتمع، ليصبح واحدًا من أهم الفنانين في تاريخ لبنان والعالم العربي

“سألوني الناس”: لحن الخلود

في عمر السابعة عشرة، لحن زياد أول أغنية لوالدته فيروز، والتي تُعد واحدة من أغانيها الأيقونية، “سألوني الناس”، بالتعاون مع الأخوين رحباني، واعتُبرت هذه الأغنية تحية لوالده المريض آنذاك، وذلك في مسرحية “المحطة” عام 1973، التي أدى فيها زياد دور الشرطي أيضًا، لقد كانت هذه الأغنية بمثابة انطلاقة قوية لزياد في عالم التلحين، وقد حققت نجاحًا كبيرًا، وأصبحت من أشهر أغاني فيروز، وتُعتبر حتى اليوم من روائع الموسيقى العربية، فقد استطاع زياد أن يعبر من خلال هذه الأغنية عن مشاعر الحب والتقدير لوالده، وأن يقدم تحية فنية رائعة له

المسرح: مرآة المجتمع وقضاياه

في العام ذاته، قدم زياد مسرحيته الأولى “سهرية”، ثم توالت أعماله المسرحية:

  • “نزل السرور” (1974)
  • “بالنسبة لبكرا شو” (1978)
  • “فيلم أمريكي طويل” (1980)
  • “شي فاشل” (1983)
  • “بخصوص الكرامة والشعب العنيد” (1993)
  • “لولا فسحة الأمل” (1994)

رصدت هذه المسرحيات ملامح من الحرب اللبنانية، وآثارها على الشعب اللبناني، وحققت شعبية واسعة في جيل الشباب آنذاك، وكانت مصدر إلهام لأجيال عديدة لاحقة، فقد كان المسرح بالنسبة لزياد منبرًا للتعبير عن آرائه وقضاياه، ووسيلة للتأثير في المجتمع وتغييره، لقد استطاع زياد أن يخلق من خلال مسرحياته عالمًا خاصًا به، يعكس الواقع اللبناني بكل ما فيه من تناقضات وصراعات، ولكنه كان أيضًا عالمًا يحمل الأمل والتفاؤل، ويدعو إلى الوحدة والتسامح

أقرأ كمان:  «تحذير فلكي» كويكب بحجم برج بيزا يمر بالقرب من الأرض خلال أيام

برامج إذاعية جريئة وناقدة

أذيعت مسرحيات الراحل زياد الرحباني على نطاق واسع في الإذاعات اللبنانية والسورية لاحقًا، إلى جانب برامجه الإذاعية التي كانت عبارة عن استكشات لاذعة تنتقد الوضع السياسي والاجتماعي في لبنان، ويمكن إسقاطها على المنطقة كلها، مثل “بعدنا طيبين.. قول الله”، و”العقل زينة”، و”نص الألف خمسمية”، فقد كان زياد يتمتع بجرأة كبيرة في التعبير عن آرائه، ولم يخشَ انتقاد السلطة أو المجتمع، وقد أثارت برامجه الإذاعية جدلًا واسعًا، ولكنها في الوقت نفسه حققت شعبية كبيرة، وجذبت جمهورًا واسعًا من المستمعين، فقد كان زياد صوتًا للشباب، ومعبرًا عن آمالهم وطموحاتهم

موسيقى تصويرية لأفلام مميزة

كما ألف زياد الموسيقى التصويرية لعدد من الأفلام اللبنانية والعربية، مثل الفيلم السوري “وقائع العام المقبل” لسمير ذكرى (1985)، وفيلم “طيّارة من ورق” لرندا الشهّال (2003)، فقد أضافت موسيقى زياد لمسة فنية مميزة لهذه الأفلام، وساهمت في نجاحها، فقد كان زياد يتمتع بحس موسيقي رفيع، وقدرة على التعبير عن المشاعر والأحاسيس من خلال الموسيقى، وقد استطاع أن يخلق من خلال الموسيقى التصويرية عالمًا خاصًا بكل فيلم، وأن يعبر عن مضمونه ورسالته

ثنائيات فنية لا تُنسى

شكل زياد ثنائيًا مميزًا مع المغني اللبناني الراحل جوزيف صقر، وقدما أغانٍ لا تُمحى من الذاكرة، مثل:

  • “حالة تعبانة يا ليلى”
  • “أنا للي عليكي مشتاق”
  • “عايشة وحدها بلاك”
  • “مربى الدلال” (من ألبوم “بما إنّو” الذي أصدره عام 1996، وقال في مقابلات إعلامية إنّ هذه الأغنية كتبها لزوجته السابقة دلال)

وقد كتب زياد للفنانة كارمن لبس، التي ارتبط بها لفترة طويلة، حسبما صرحت في إطلالات إعلامية سابقة، إحدى أشهر أغاني الحب “بلا ولا شي.. بحبّك”، فقد كانت هذه الثنائيات الفنية ناجحة جدًا، وحققت شعبية كبيرة، وساهمت في إثراء الفن اللبناني والعربي، فقد كان زياد يتمتع بقدرة كبيرة على التعاون مع الفنانين الآخرين، وعلى خلق توليفة فنية مميزة تجمع بين موهبته ومواهبهم

أقرأ كمان:  «زلزال في الأوساط الثقافية» استقالة مسؤول رفيع بعد جدل حفل "كولدبلاي"

ألبومات غنائية وموسيقية خالدة

أصدر زياد العديد من الألبومات الغنائية والموسيقية الشهيرة، مثل “أبو علي”، و”أنا مش كافر”، و”هدوء نسبي”، وتعاون مع المغنية اللبنانية سلمى مصفي في ألبوم “Monodose”، الذي تضمن أغنيتهما الشهيرة “شو؟ أو “Un Verre Chez Nous” بالفرنسية، وكذلك أغنية “ولّعت كتير”، فقد كانت هذه الألبومات ناجحة جدًا، وحققت مبيعات كبيرة، وساهمت في ترسيخ مكانة زياد كواحد من أهم الفنانين في لبنان والعالم العربي، فقد كان زياد يتمتع بقدرة كبيرة على التجديد والابتكار، وعلى تقديم أعمال فنية مختلفة ومتميزة

تعاونات فنية جريئة ومختلفة

تعاون زياد مع العديد من المغنين اللبنانيين والعرب، وقدمهم بطريقة جريئة، مختلفة، وطريفة، وهذا ينطبق إلى حد كبير على تعاونه مع المغنية ونجمة الاستعراضات اللبنانية في التسعينيات المعروفة بـ”الليدي مادونا” في أغنية “كيفك”، وكذلك أيضًا مع الفنانة لطيفة التونسية في ألبومها “معلومات أكيدة” في 2006، فقد كانت هذه التعاونات الفنية ناجحة جدًا، وحققت شعبية كبيرة، وساهمت في إثراء الفن اللبناني والعربي، فقد كان زياد يتمتع بقدرة كبيرة على التكيف مع الفنانين الآخرين، وعلى تقديم أعمال فنية تتناسب مع أسلوبهم ومواهبهم

فيروز وزياد: قصة نجاح لا تنتهي

لكن التعاون الأبرز، وربما الذي سيبقى الأكثر رسوخًا في الذاكرة، هو تعاونه مع والدته فيروز، في الكثير من الأغنيات والألبومات التي شكلت علامة فارقة في مسيرتها، واختلفت كليًا عن تعاونها مع الأخوين رحباني، ومن ينسى أغانٍ مثل:

  • “عَ هدير البوسطة”
  • “كيفك إنت”
  • “صباح ومسا”
  • “معرفتي فيك”
  • وصولًا إلى أغاني ألبومها “في أمل” عام 2011

لقد كان هذا التعاون الفني ناجحًا جدًا، وحقق شعبية كبيرة، وساهم في إثراء الفن اللبناني والعربي، فقد كان زياد يتمتع بفهم عميق لفن والدته، وقدرة على تقديم أعمال فنية تتناسب مع أسلوبها وموهبتها

“الوداع”: أغنية الختام

وربما أكثر ما يمكن أن نتذكره وسط الحزن العميق على رحيل العبقري زياد الرحباني، أغنية “الوداع” التي لحنها لفيروز، وبصوتها الملائكي: “أنا صار لازم ودّعكم، وخبركم عنّي”، لقد كانت هذه الأغنية بمثابة رسالة وداع من زياد لجمهوره ومحبيه، وتعبر عن مشاعره وأحاسيسه في لحظة الوداع، وستبقى هذه الأغنية خالدة في ذاكرة الأجيال، وتذكرنا دائمًا بزياد الرحباني الفنان العظيم