منى غنيم
نشر في: الأربعاء 26 نوفمبر 2025 – 11:38 ص | آخر تحديث: الأربعاء 26 نوفمبر 2025 – 11:38 ص
ابن لخباز.. سريع الغضب.. وجد في الشعر ضالته التي قادته إلى الإبداع.. ما لا يعرفه العامة عن هانيبال السينما العالمية
صدر مؤخرًا للممثل البريطاني الأسطوري أنطوني هوبكنز كتاب مذكرات بعنوان “لقد أبلينا حسنًا، يا صغيري”، عن دار نشر “سايمون وتشوستر”، حيث استعرض هوبكنز عبره رحلته من طفولته الوحيدة في مدينة بورت تالبوت في ويلز، إلى الأدوار السينمائية الخالدة التي قدمها، من بينها شخصية الدكتور هانيبال ليكتر الشهيرة في “صمت الحملان”، كما كشف عن ملامح شخصيته الفنية والفكرية ونظرته العميقة للحياة والفن.
تدور السيرة الذاتية الجديدة – التي تصدرت قوائم أمازون للمبيعات فور صدورها – حول سؤال واحد: كيف يمكن لطفل خجول ووحيد من مدينة صغيرة في ويلز أن يتحول إلى واحد من أعظم الممثلين في تاريخ السينما؟
افتتح الكاتب حديثه بمشهد لا يُنسى من فيلم “صمت الحملان”، حين يظهر الدكتور هانيبال ليكتر للمرة الأولى في أكثر دخول مهيب في تاريخ السينما، واقفًا بلا حركة خلف الزجاج العازل، وهذا المشهد وحده أحدث تحولًا هائلًا في مسيرة هوبكنز، ومنحه الأوسكار على أدائه، ورغم أنه لم يكن مبتدئًا حينها، بل ممثلًا مخضرمًا بشخصية قوية.
في مذكراته الجديدة، كشف هوبكنز عن مصادر إلهامه في بناء شخصية “ليكتر”، بدءًا من دراكولا الذي قدمه الممثل الهنجاري بيلا لوجوسي، وصولًا إلى الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين كما روته ابنته، وأستاذه الصارم في الأكاديمية الملكية للفنون المسرحية، كريستوفر فيتس.
كما تطرق هوبكنز بصراحة إلى الظلال النفسية التي رافقته أثناء تجسيده لشخصية الملك لير، المرتبطة بمشاعر الذنب تجاه ابنته أبيغيل، من زواجه الأول الذي انتهى بشكل مأساوي في عام 1966، كما ذكرت صحيفة الجارديان.
عنوان المذكرات يحكي قصة بحد ذاته؛ إذ إنه مستوحى من صورة قديمة لهوبكنز وهو طفل في الثالثة من عمره على شاطئ أبرآفون مع والده، ومن هذا الطفل الحائر، ابن الخباز ريتشارد آرثر هوبكنز، تنطلق القصة، كان الأب، رجل عملي صارم، يرفض الرياء الديني، ويحمل خلف ملامحه الخشنة حساسية رومانسية، واحتقر الحاجة لمد اليد إلى الأقارب الأغنياء لتعليم ابنه، لكنه فعلها رغم إرادته، لكي يسمح له بالدراسة في مدرسة أفضل.
لم يكن هوبكنز طالبًا متفوقًا، حتى ألقى صدفة قصيدة للشاعر الإنجليزي جون ميسفيلد، مما أسهم في إحداث انطلاقةٍ له، فالقصيدة أشعلت موهبته، بينما منحته المسرح الشكل الفني الذي نضجت فيه تلك الموهبة، ومن خلال نادي YMCA المسرحي، بدأ الفتى الفقير مسيرته ليقف بعد عشر سنوات أمام الممثل المسرحي البريطاني لورنس أوليفييه على مسرح “أولد فيك”، الذي يُعد من أهم مسارح بريطانيا في القرن العشرين.
أشار هوبكنز إلى أنه رغم بدايته الواعدة، فإنه غادر المسرح في نوبة غضب، وعبر إلى التلفزيون ثم إلى السينما، مقدّمًا أدوارًا مؤثرة في “الرجل الفيل”، و”بقايا اليوم”، و”الأب”، الذي حصد منه أوسكاره الثاني، وكانت سنة 1975 نقطة تحول كبرى في حياته حين أقلع عن الكحول وأنقذ نفسه من الضياع.
لم يكتف الكتاب بسرد المسيرة الفنية الحافلة، بل رسم ملامح شخصية متناقضة: ممثل منضبط إلى أقصى الحدود، وحاد الطباع وعصبي وسريع الغضب، وهي سمات ربما لا يعرفها الكثير من العامة، كما روت كيف تصدى لأحد المخرجين الذي أهان ممثلة شابة قائلًا له: “اعتذر لها فورًا، وتعلم بعض الأدب، وإلا سأعيد تشكيل وجهك.”
في ختام المذكرات، قدم هوبكنز ملحقًا طويلًا يتضمن قصائده المفضلة، اعترافًا منه بأن الشعر كان أول حب في حياته، من بين جميع أنماط الأدب، وكان البذور التي أنبتت كل هذا الإبداع؛ فبالنسبة له، كانت القصائد — بحكمتها وإيقاعها — هي المعلم الأول والأصدق الذي قاده من صمت الطفولة إلى مجد السينما.
على الرغم من أن المذكرات تظهر وكأنها مجرد رحلة شخصية لممثل عالمي، إلا أن رؤية هوبكنز تتجاوز السيرة الذاتية، لتكشف عن فلسفته في الحياة والفن: الانضباط، الحب العميق للشعر، ومقاومة الضعف البشري، وقد عكس الكتاب نزاعه الداخلي بين القوة والضعف، الطفولة والنجومية، وأبرز كيف يمكن للموهبة أن تتفتح رغم الصعاب والظروف القاسية.
في النهاية، منح هوبكنز القارئ نافذة على عقليته المبدعة وأسلوبه في العمل، مقدمًا نموذجًا لممثل يعتبر الفن التزامًا شخصيًا عميقًا، وليس مجرد مهنة، من خلال ذلك المزج بين الصراحة في الحديث عن الأخطاء والاعتراف بالنجاحات، قدم الكتاب درسًا حول الصبر والمثابرة، ليصبح أكثر من مذكرات، بل مرجعًا لفهم شخصية فنية نادرة، وقدرتها على الجمع بين العبقرية والانضباط والتأمل الذاتي.
هذا المقال لا ينتمي لأي تصنيف.
