رغم ما يبدو ظاهريًا من قوة في أداء الاقتصاد الأمريكي، تظهر تحليلات متعمقة مخاطر متزايدة داخل قطاعات حيوية قد تهدد بمسار نمو غير مضمون، فرغم تحقيق الناتج المحلي الإجمالي نموًا يتجاوز 3% في الربعين الماضيين، واستمرار معدل البطالة عند مستوى منخفض تاريخيًا يبلغ 4.4%، تكشف هذه المؤشرات العامة عن موجة من الاضطرابات التي قد تؤدي إلى تباطؤ حاد وربما ركود مفاجئ، كما يشير خبراء الاقتصاد.
البيانات الشاملة والقلق المتزايد
يحذر اقتصاديون من أن البيانات العامة قد تخفي تقلبات غير محسوبة، إذ يمكن لأسواق العمل أن تنتقل أثناء الأزمات من تدهور تدريجي إلى قفزات حادة في معدلات البطالة في فترات زمنية قصيرة، وفي حين أن مؤشرات التوظيف تبدو مستقرة، تظهر التجارب السابقة أن التحولات الكبيرة غالباً ما تُكتشف بعد حدوثها.
تصريحات وزير الخزانة الأمريكي
تجسّد كلمات وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت جانبًا من هذا القلق، حيث أكد أن العديد من القطاعات الاقتصادية تعاني من “ركود حاد”، كاشفًا عن خسائر دائمة للاقتصاد تبلغ حوالي 11 مليار دولار نتيجة للإغلاق الحكومي الذي استمر 43 يومًا، ورغم تفاؤله بتحسن النمو العام المقبل بدعم من خفض أسعار الفائدة والتخفيضات الضريبية، أقر بأن القطاعات ذات الحساسية أمام أسعار الفائدة، مثل الإسكان، قد دخلت بالفعل في مرحلة الركود.
العلامات السلبية في الاقتصاد الأمريكي
يستعرض تحليل نشره موقع “بيزنس إنسايدر” سبع علامات قاتلة تهدد مسار الاقتصاد الأمريكي، وجميعها تتركز في قطاعات تعتبر من أكبر مصادر التوظيف:
- الإسكان: تشهد شركات بناء المنازل تراجعًا في نشاطها مع ارتفاع المخزون غير المبيع، مما يدفعها إلى تقليص عمليات البناء الجديدة.
- العقارات التجارية: انخفض الاستثمار في الهياكل التجارية لستة أرباع متتالية، وتظهر مؤشرات المعهد الأمريكي للمهندسين المعماريين وجود ركود في فواتير التصميم.
- المطاعم: تراجعت مبيعات سلاسل الوجبات السريعة مثل “شيبوتلي” و”سويت غرين”، لا سيما بين الفئات العمرية الأصغر، ومع تزايد تكاليف المواد الغذائية، تتعرض هوامش الربح لضغط كبير.
- القطاع الحكومي: يتركز الضغط في الوقت الحالي على الحكومة الفيدرالية، بينما تواجه حكومات الولايات صعوبات مع انتهاء مخصصات كوفيد-19، مما يشير إلى احتمال خفض وظائف أوسع.
- قطاع الشحن والنقل: انخفض عدد السفن الوافدة من آسيا بنحو 30% مقارنة بالعام الماضي، وتراجعت حمولات السكك الحديدية بنسبة 6%، مما يؤدي إلى تقليص الحاجة إلى السائقين والعمال.
- التعدين والأخشاب: تتراجع التوظيفات الجديدة في قطاعي النفط والأخشاب بسبب انخفاض الأسعار، مما يؤدي إلى انكماش مستمر في الوظائف داخل هذه الصناعات.
- التعليم العالي: تواجه الجامعات الأمريكية ضغوطًا نتيجة انخفاض معدلات الالتحاق ونقص التمويل الفيدرالي، مما يدفع المؤسسات إلى تقليص أعداد العاملين.
استنتاجات وتحذيرات
يوضح المحللون أن تباطؤ سوق العمل بدأ بالفعل بالظهور من خلال انخفاض فرص العمل وتراجع وتيرة التوظيف وارتفاع عمليات التسريح من مستوياتها المتدنية تاريخيًا، مما يؤثر بشكل أكبر على الفئات الأكثر ضعفًا مثل الشباب والسود، كما أن تزايد التراجع في عدة قطاعات رئيسية يعزز احتمال انتقاله إلى باقي السوق من خلال دوامة انكماش مستمرة، مما يمهد لركود غير متوقع قد يظهر فجأة، ورغم أن الصورة العامة للاقتصاد تبدو مستقرة عند نظرة شاملة، إلا أن التيارات الخفية تحت السطح تشير إلى احتمال حدوث اضطرابات يصعب تجاهلها، مما يجعل الاقتصاد الأمريكي أمام مرحلة غموض تتطلب اليقظة وتحليلاً معمقًا للاتجاهات القطاعية قبل اتخاذ أي حكم بشأن المسار العام للنمو.
