من يتأمل مسيرة الدول يجد أن بعضها يحقق النجاح في السياسة والعلاقات الدولية دون النجاح في الاقتصاد، والبعض الآخر يركز على الجانب الاقتصادي دون الاهتمام بدور مناسب في المجال السياسي، وقليل من الدول حققت النجاح في المجالين، وعلى رأسها السعودية التي أصبحت نموذجاً بارزاً في الدورين السياسي والاقتصادي ليس على مستوى المنطقة فحسب، بل على مستوى العالم.
وقد تحقق ذلك بعد سنوات من العمل الجاد في المجالين بطريقة توازن بين السياسة والاقتصاد بحيث يُدعم كل منهما الآخر، وسأركز في هذا المقال على الجانب الاقتصادي لكنني لن أهمل الجانب السياسي، فهذه البلاد منذ توحيدها على يد الملك المؤسس عبدالعزيز (رحمه الله) اهتمت برسم سياسة متوازنة تقوم أولًا على تحقيق مصالحها ومصالح الإقليم أي الدول العربية والإسلامية، مع إقامة علاقات وتعاون مع دول العالم التي تُبادلها التعاون المستمر لصالح الطرفين، وللسلام والاستقرار العالمي، ولعل أقرب مثال على تطبيق هذه السياسة هو الموقف السعودي من قضية فلسطين، والإصرار على قيام دولة فلسطينية مستقلة، وكذلك التوسط في حل نزاعات عديدة، وآخر تلك الخطوات التدخل بقوة لرفع العقوبات عن سورية الشقيقة في عهدها الجديد، وكذلك محاولة إصلاح الأوضاع في لبنان، التي كانت مثالاً للازدهار والاستقرار، ثم أصبحت في حال لا يُسر سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا، وآخر الخطوات السياسية الموفقة للسعودية هو التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية لإيقاف الحرب في السودان الشقيق وإصلاح أوضاعه الأمنية والمعيشية التي يشهدها الجميع منذ عدة سنوات.
ويضاف للدور السياسي السعودي المواقف المشرفة مع جميع الدول العربية والإسلامية.
الاستثمار في الاقتصاد الوطني
وعودة إلى المجال الاقتصادي الذي واكبت تطوره عن كثب لأكثر من أربعة عقود، حيث عملت في وزارة المالية والاقتصاد الوطني “سابقًا”، وكانت تسمى “أم الوزارات”، وفي هذه الوزارة تُوضع الأنظمة الاقتصادية بدقة وعناية بحيث تُسهّل دعم جميع القطاعات للنمو والتطور حسب أحدث النظريات العالمية التي تأخذ في الحسبان المستقبل القائم على الاستغلال الأمثل للموارد والإمكانات المتوفرة في بلد وَهَبَه الله الكثير من الثروات البشرية والمادية، وفعلاً ظهرت نتائج ذلك التخطيط المبكر نهضة اقتصادية يضرب بها المثل، وتقوم على التقليل من الاعتماد على النفط، والعمل على تنمية القطاعات غير النفطية، والأخذ بالتقنيات الحديثة حتى أصبحت تلك القطاعات تشكل 53.2% من الناتج المحلي البالغ 1.2 تريليون دولار، حتى أصبح الاقتصاد السعودي أحد أبرز الاقتصادات العالمية استقرارًا ونموًا مع القدرة على إيجاد مزيد من الوظائف، وفرص الاستثمار، وبحسب التقرير السنوي لرؤية 2030، فقد شهد الناتج المحلي غير النفطي مستويات نمو تدريجية مستمرة منذ 2016، ويُسجل للقطاع الخاص مساهمة مستمرة في الناتج المحلي منذ 2016 حتى حقق 47% متخطياً المستهدف السنوي لعام 2024، وقد تم ذلك بسبب تنويع فرص مشاركة القطاع الخاص، وتوسيع دوره، ومشاركة صندوق الاستثمارات العامة في تحفيز الاستثمار الخاص، وتتوقع كثير من المنظمات العالمية تحقيق الاقتصاد السعودي أرقاماً إيجابية بعد التطورات التي شهدتها السعودية، وتسارع أداء القطاعات نحو تنويع مصادر الدخل.
النجاحات المشتركة في السياسة والاقتصاد
وأخيرًا، أوضح الأمثلة على اهتمام السعودية بالسياسة والاقتصاد معًا هو ذلك الحضور المشرف لشخصيات سياسية واقتصادية سعودية في زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة خلال الأسبوع الماضي، والنتائج التي تحققت في المجالين السياسي والاقتصادي بشكل غير مسبوق، حيث اعتمدت القيادة السعودية الاستثمار المحكوم بالمعايير الاقتصادية في تحقيق الأهداف دون مجاملة.. مع التمسك بالموقف السعودي السياسي المعروف.
كاتب اقتصادي
