أطلقت الأمم المتحدة عام 2014 مبادرة “لون العالم باللون البرتقالي” ليصبح اللون البرتقالي رمزاً لمناهضة العنف ضد النساء، صورة من: Martin Meissner/AP Photo/picture alliance.
لا يزال العنف ضد المرأة يمثل تحديًا عالميًا مستمرًا، حيث لا نزال نشهد بطئًا في التقدم الحقيقي لمكافحة جرائم قتل النساء، هذا ما أكده تقرير للأمم المتحدة صدر بمناسبة اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني.
تشير الأرقام الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة للمرأة ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة إلى حصيلة مروعة، حيث قُتلت 83 ألف امرأة عمدًا في عام 2024، والأكثر فزعًا أن 60 بالمئة من هؤلاء الضحايا لقين حتفهن على يد شريك حميم أو أحد أفراد العائلة، أي بمعدل مقتل امرأة كل عشر دقائق، هذا الواقع المرير يستدعي تحركًا عاجلًا.
على الرغم من أن جرائم قتل النساء سُجلت في جميع أنحاء العالم، إلا أن قارة إفريقيا شهدت مجددًا أكبر عدد من هذه الحالات في العام الماضي، إذ وصلت إلى حوالي 22 ألف حالة، مما يسلط الضوء على الحاجة الماسة إلى تدخلات فعالة في هذه المنطقة.
للمرأة العربية نصيب مؤلم من هذا العنف، فوفقًا لتقرير حديث صادر عن البنك الدولي، فإن 40 بالمئة من النساء في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قد تعرضن للعنف من الشريك الحميم مرة واحدة على الأقل خلال حياتهن، هذه الأرقام تدق ناقوس الخطر وتستدعي معالجة جذرية للأسباب الكامنة وراء هذا العنف.
يشير تقرير صادر عن الباروميتر العربي للأبحاث لعام 2025 إلى اتجاه مقلق، وهو ازدياد العنف ضد النساء في بعض الدول العربية التي شملها الاستطلاع في العام الماضي، فقد بلغت الزيادة في تونس 54 بالمئة، وفي لبنان 42 بالمئة، وفي الأردن 39 بالمئة، بينما وصلت في العراق إلى 40 بالمئة، هذه الزيادات تتطلب تحليلًا معمقًا واتخاذ تدابير فورية لوقف هذا التصاعد.
عنف مستمر رغم الجهود الدولية
تتبنى العديد من دول العالم سياسات وقوانين تهدف إلى مكافحة العنف ضد النساء، وتتجلى هذه الجهود في توسيع برامج الرعاية والتوعية والوقاية من العنف، بالإضافة إلى تعزيز الخدمات الصحية والقانونية والاجتماعية التي تركز على دعم الناجيات من العنف، هذه الخطوات مهمة، ولكن يجب أن تكون مصحوبة بتنفيذ فعال وتقييم مستمر لضمان تحقيق الأهداف المرجوة.
صحيح أن عدد حوادث العنف ضد النساء لعام 2024 أقل مما كانت عليه في عام 2023، ولكن هذا لا يعني بالضرورة انخفاضًا حقيقيًا في أعداد الجرائم، بل قد يعكس الاختلافات في توافر البيانات من بلد إلى آخر، مما يؤكد على أهمية تحسين جمع البيانات وتوحيد المقاييس لتقييم حجم المشكلة بدقة.
ترى سارة هندريكس، مديرة قسم السياسات لدى هيئة الأمم المتحدة للمرأة، أن جرائم قتل النساء لا تحدث بمعزل عن غيرها، بل غالبًا ما تكون “امتدادًا لسلسلة متواصلة من العنف تبدأ بسلوكيات التحكم والتهديدات والمضايقات، بما في ذلك عبر الإنترنت”، هذا التصريح يسلط الضوء على أهمية معالجة جذور العنف والتصدي للسلوكيات التي تؤدي إلى تصعيده.
وتضيف هندريكس: “لمنع هذه الجرائم، نحتاج إلى تطبيق قوانين تدرك كيف يتجلى العنف في حياة النساء والفتيات، سواء عبر الإنترنت أو خارجه، وتحاسب الجناة قبل أن يتحول الأمر إلى جريمة قتل”، هذا التأكيد على أهمية القوانين الشاملة والإنفاذ الفعال يمثل دعوة للعمل من أجل حماية النساء والفتيات من جميع أشكال العنف.
اغتيال الأخوات ميرابال.. الشرارة الأولى
يعود اختيار يوم 25 نوفمبر/ تشرين الثاني كيوم دولي للقضاء على العنف ضد المرأة إلى حادثة مأساوية، وهي اغتيال الأخوات ميرابال، الناشطات السياسيات في جمهورية الدومينيكان، بأمر من الحاكم الديكتاتوري رافاييل تروخيلو عام 1960، هذه الحادثة شكلت نقطة تحول في النضال ضد العنف القائم على النوع الاجتماعي.
تم الاحتفال بهذا اليوم لأول مرة عام 1981، بعد أن اجتمعت نسويات أمريكا اللاتينية في العاصمة الكولومبية بوغوتا لتكريم ضحايا العنف القائم على النوع الاجتماعي وإحياء ذكرى الأخوات ميرابال، وبعد عشر سنوات، أطلق أول معهد للقيادة العالمية للمرأة حملة “16 يومًا من النشاط لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي”، هذه المبادرات ساهمت في تسليط الضوء على القضية وحشد الجهود لمكافحتها.
منذ ذلك الحين، تُقام فعاليات سنوية من 25 نوفمبر/ تشرين الثاني إلى 10 ديسمبر/ كانون الأول، وهو اليوم العالمي لحقوق الإنسان، لرفع مستوى الوعي بالعنف ضد المرأة.
في عام 1999، صدر قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة باعتبار 25 نوفمبر/ تشرين الثاني من كل عام يومًا للتوعية بجميع أشكال العنف ضد المرأة، هذا القرار يمثل اعترافًا دوليًا بأهمية القضية وضرورة اتخاذ إجراءات فعالة لمكافحتها.
الحملات المرتبطة بهذه القضية لم تتوقف يومًا، ففي عام 2014، أطلقت الأمم المتحدة مبادرة “لون العالم باللون البرتقالي”، ويرمز اللون البرتقالي إلى مستقبل خالٍ من العنف، وأصبح يستخدم على اللافتات وفي وسائل التواصل الاجتماعي وفي الأماكن العامة للإشارة إلى مناهضة العنف ضد النساء.
هذا المقال لا ينتمي لأي تصنيف.
