حوار مع المايسترو نادر عبّاسي حول ألحان عبد الوهاب كجسر يربط بين المستمع المصري والموسيقى العالمية

حوار مع المايسترو نادر عبّاسي حول ألحان عبد الوهاب كجسر يربط بين المستمع المصري والموسيقى العالمية





حوار ـ أمجد مصطفى


نشر في:
السبت 22 نوفمبر 2025 – 6:34 م
| آخر تحديث:
السبت 22 نوفمبر 2025 – 6:39 م

• ليس كل تراث يصلح للتوزيع السيمفونى • «أرتدى السموكن .. لكنى لم أخلع الجلابية البلدى»• أسرة الموسيقار الراحل وراء اختيار فاطمة سعيد.. وحفيده يسعى لتحقيق حلم جده

يُعتبر المايسترو نادر عبّاسى واحدًا من أبرز الأسماء في عالم الموسيقى العربية، فهو يتمتع بحضور كاريزمي على المسرح، ويجمع بين عدة مهارات، مثل قيادة الأوركسترا، التأليف الموسيقي، والغناء الأوبرالي، بالإضافة إلى عازف فاجوت، ويمتلك خلفية أكاديمية متميزة تمتد إلى القاهرة وجنيف، وهذا التنوع يجعله مرجعاً في “المعادلات الموسيقية الصعبة”، خاصة عندما يتعلق الأمر بالأعمال العربية المعاد تقديمها بشكل أوركسترالي.

اليوم، يخوض نادر عبّاسى تحديًا جديدًا على المسرح الملكى «دروُرى لين» في لندن، حيث يقود الأوركسترا الملكى الفيلهارمونى في حفل ضخم يقدم فيه موسيقى محمد عبد الوهاب بصوت النجمة المصرية العالمية فاطمة سعيد، وهو حدث أثار اهتمام الساحة الفنية العربية قبل أسابيع من إقامته.

يُعتبر عباسى جزءاً من العروض الأوركسترالية الكبرى التي أُقيمت في عواصم أوروبية ذات تقاليد موسيقية عريقة مثل جنيف، فيينا، وبرلين، ولم يكن حضوره رمزيًا، بل عُرف بمشاركته في عروض رفيعة المستوى نالت إشادة من نقاد متخصّصين في الأوبرا والسيمفونيات، مما يؤكد حضوره الدائم في المناسبات الهامة.

● ما الذى يعنيه لك هذا الحفل، وكيف ترى مشروع عبد الوهاب سيمفونيك؟

مشروع موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب ليس جديدًا، بل بدأ قبل عدة سنوات، حيث تواصلت معي أسرته وطرحت فكرة إعادة تقديم مؤلفاته الموسيقية البحتة بشكل أوركسترالي، وعلى الرغم من أن الجمهور يعرفه كملحن للأغنية العربية، إلا أن الكثيرين لا يعلمون أنه كتب مقطوعات موسيقية غنية تستوعب التوزيع السيمفونى بشكل طبيعي، كان حلمه أن تُقدم موسيقاه في قاعات كبيرة حول العالم بصيغة أقرب إلى السيمفونيات، ولذلك اخترنا اسم Abdel Wahab Symphonic الذي يعبر عن هذا الامتداد، الفكرة ليست “تحديثًا” لموسيقاه بقدر ما هي إظهار لما هو موجود بالفعل في مؤلفاته.

● هل كان عبد الوهاب متأثرًا فعلًا بالمدارس العالمية؟

بالتأكيد، كان عبد الوهاب من أكثر الموسيقيين العرب إلمامًا بالكلاسيكيات الغربية، وكان يستمع إلى بيتهوفن وباخ وتشايكوفسكى، وهذا يظهر بشكل واضح في بنية ألحانه وانتقالاته، وحتى في طريقة بناء الجملة الموسيقية لديه، وقد ذكر بنفسه أنه تأثر بالسيمفونية الخامسة لبيتهوفن، مما جعل حسّه الموسيقي أقرب إلى الفكر السيمفوني، وعندما يستلهم لحنًا يونانيًا في “يا مسافر وحدك”، لا يقتبس بل “يعيد صياغة” الروح اللحنية لتلائم المزاج العربي، عبد الوهاب كان رابطاً بين الموسيقى العالمية والمستمع المصري، حيث قدّم الكلاسيك في قالب طربي بسيط ومفهوم.

● هل يُعتبر حفل لندن امتدادًا لحفلاتك السابقة لعبد الوهاب؟

نعم، إنه امتداد طبيعي للمشروع الذي بدأناه في جامعة القاهرة، والذي حضره 3 آلاف طالب، ثم في موسم الرياض بالسعودية، كل حفل كان خطوة، لكن في لندن يأخذ شكلًا عالميًا أوسع، سواء من حيث المكان أو مستوى الأوركسترا أو الجمهور المتوقع، التجربة تتطور، والجمهور العربي بات يبحث عن تقديم تراثه بشكل يليق به عالميًا.

● اختيار فاطمة سعيد لغناء عبد الوهاب… لماذا؟

جاء ترشيح فاطمة من أسرة عبد الوهاب نفسها، ورغم أنها مغنية أوبرا، إلا أن صوتها يتمتع بنقاء كبير وقدرة على الانتقال بين المدارس الغربية والعربية، وفاطمة من الفنانات القلائل القادرات على تقديم أعمال غنائية لعبد الوهاب دون فقدان الروح العربية أو جمالياتها، وفي الوقت نفسه تمنحها لمسة عالمية.

● وكيف جاءت فكرة إقامة الحفل في لندن؟

عمر خليل، حفيد عبد الوهاب، يعيش في أوروبا ويمتلك شركة لتنظيم الحفلات، ومنذ سنوات وهو يحلم بأن تُقدّم موسيقى جده في مدينة كبيرة مثل لندن، أمام جمهور متنوع من العرب والأوروبيين، هو من تولى حجز القاعة، واختيار الأوركسترا، والتعاقد مع الرعاة، كانت الأسرة تنتظر هذه اللحظة لفترة طويلة، لأن لندن تضيف قيمة كبيرة لأي مشروع موسيقي.

● ما أهم ما سيقدمه الحفل؟

سيتم تقديم أعمال مثل “الجندول” و”دعاء الشرق”، وهي مقطوعات تظهر قدرة عبد الوهاب على المزج بين الشرقي والغربي، وقد جاء اختيار البرنامج بدقة لضمان توافقه مع صوت فاطمة، ويظهر جماليات الأوركسترا.

● كم احتاجت البروفات مع الأوركسترا؟

احتجنا إلى ثلاث بروفات كاملة، وهو عدد مقبول نسبيًا لحفل بهذا الحجم، وقد أُرسلت النوت إلى العازفين قبل فترة، لكن الجزء الشرقي الذي يتضمن ربع التون تطلّب وجود موسيقيين عرب مقيمين في لندن، دوري كقائد كان ترجمة الروح الشرقية للغربيين، لأن العازف الأوربي يُؤدي النوتة بدقة، لكنه يحتاج إلى فهم “الروح” وليس فقط العلامات على الورق.

● ما الذي يجعل موسيقى عبد الوهاب مناسبة للتنفيذ الأوركسترالي؟

لأنه كان عاشقًا للموسيقى العالمية، وكان يتمنى أن تصل الموسيقى المصرية إلى آفاق بعيدة، عبد الوهاب بنى جسورًا بين الطرب العربي التقليدي والفكر الأوركسترالي الأوروبي، وتحويلاته اللحنية، والهارموني، وجمالياته الصوتية كلها مؤهلات طبيعية لتقديم موسيقاه بشكل سيمفوني.

● هل ساهم وجود الأجانب في مصر قديمًا في انتشار المزج بين الموسيقى الشرقية والغربية؟

بلا شك، فقد أدّى وجود الأجانب إلى إجراء تبادل ثقافي، كانوا جزءًا من الحياة اليومية في القاهرة والإسكندرية، وهذا انعكس على الموسيقى، حيث انتشرت الأوبرا والموسيقى الكلاسيكية والجاز، مما أتاح للفنانين المصريين مواجهة ثقافات موسيقية مختلفة ساهمت في تطورهم.

● كيف ترى اتجاه إعادة توزيع الأعمال القديمة؟

هو اتجاه عالمي وليس عربيًا فقط، هناك أعمال تمتلك ثراءً موسيقيًا يجعلها قابلة لإعادة التقديم السيمفوني، وأعمال أخرى قد تفقد جمالها إذا خرجت من إطارها العربي، والإعلام حاليًا يُسلط الضوء على هذه المشاريع، ولكن الحقيقة أنها موجودة منذ سنوات، وعبد الوهاب هو أكثر من يمكن تقديم أعماله بهذا الشكل، لأنه كتب موسيقى بعقل مؤلف عالمي.

● ما رأيك في تقديم حفلات في أماكن أثرية مثل القصور ومنطقة الأهرامات؟

هذا الاتجاه مطلوب لأنه يُعيد الموسيقى إلى جمهور جديد، وأعتبر أن حفلي في قطر «الموعد الثاني» عام 2012 كان انطلاقة لهذه النوعية من الحفلات، حيث شارك فيه 11 نجمًا عربيًا من الصف الأول، وكانت الأعمال من كلمات الأمير بدر بن عبد المحسن، وتولى توزيعها كبار الموزعين العرب، وأدى الغناء نجوم كبار مثل كاظم الساهر، وأنغام، وماجد المهندس، وصابر الرباعي، وهذه التجربة صنعت قبولا أوسع لفكرة الأوركسترا العربي.

● من يمكن تقديم أعماله بالأوركسترا مستقبلًا؟

هناك أعمال لليلى مراد، وأسمهان، وعبد الحليم، لكن تحتاج إلى اختيار دقيق، ليست كل التراثات تصلح للتوزيع السيمفوني، والفكرة ليست في اتجاه القائد للعربي فقط، ولكن في قدرة القائد على إبراز جماليات اللحن العربي كما فعل أندريا رايدر وعلي إسماعيل.

● اسمك دائمًا في مقدمة المرشحين للحفلات الكبرى.. لماذا؟

لأنني لست قائدًا فقط، بل مؤلف موسيقي ومغنٍ عازف فاجوت، وهذه التوليفة تمنحني القدرة على قيادة الباليه والأوبرا والسيمفوني والعربي، وهو شيء لا يتوفر لكل القادة، وهناك من يستطيع قيادة عمل عربي موزع، لكنه لا يستطيع قيادة أوبرا أو باليه، وهذا فرق جوهري.

● في الماضي لم نشهد قائدًا غربيًا يتجه نحو الشرقي.. ما الذي تغير؟

أنا أقود أعمال بلدي، ولم أتخل عن هويتي رغم أنني أرتدي السموكن، لكن الجلابية البلدي موجودة أيضًا ولم أخلعها، لدي أعمال مثل “ريا وسكينة” و”عروس النيل” كتبتها في سن صغيرة، وقدمت “كادنى الهوى” مع أستاذي جمال عبد الرحيم، و”العفو يا سيد الملاح”، هذا التراث في دمي، وهو سبب قدرتي على التنقل بين المدارس المختلفة دون فقدان روحي المصرية.

● هل تستمع للموسيقى العربية في أوقات الراحة؟

بالطبع، في البيت لا أستمع إلا لأم كلثوم وعبد الوهاب وليلى مراد وأسمهان، أنا “جيناتى مصرية قوى” كما أقول دائمًا، والموسيقى العربية بالنسبة لي ليست مجرد عمل، بل حالة من “السلطنة”.

هذا المقال لا ينتمي لأي تصنيف.