صفقة مقاتلات أمريكية جديدة للسعودية تغير موازين القوى في الشرق الأوسط

صفقة مقاتلات أمريكية جديدة للسعودية تغير موازين القوى في الشرق الأوسط

صفقة مقاتلات أمريكية للسعودية تعيد صياغة «موازين القوى» فى الشرق الأوسط

فى تحول جيواستراتيجى يجدد هيكلة القوة فى الشرق الأوسط، أثار إعلان الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، خلال زيارة ولى العهد السعودى، الأمير محمد بن سلمان، لـ«واشنطن» الأسبوع الماضى، عن نية بيع مقاتلات الجيل الخامس من طراز «إف 35» للمملكة، قلقًا كبيرًا لدى إسرائيل، حيث رأت أن هذه الخطوة تُشكل تهديدًا مباشرًا لهيمنتها العسكرية النوعية فى المنطقة، جاء ذلك الإعلان فى وقت حساس تتداخل فيه الصراعات الإقليمية، وتعيد «واشنطن» ضبط شبكة تحالفاتها الأمنية، مما جعل الصفقة المقترحة تُعتبر «زلزالًا سياسىًّا وعسكريًّا» تظل ارتداداته قائمة حتى الآن.

إدارة ترامب: إرضاء الرياض vs طمأنة تل أبيب

وبمجرد أن أصبح الإعلان الرسمي نافذًا، بدأت التحركات السياسية والأمنية فى إسرائيل بشكل مكثف، حيث نقلت وزارة الشئون الاستراتيجية الإسرائيلية، عبر الوزير المستقيل رون ديرمر، تحفظاتها إلى الإدارة الأمريكية بسرعة، ووفقًا لـ«نيوزويك»، تخشى تل أبيب من أن حصول الرياض على هذه المقاتلات المتطورة قد يُؤدي إلى كسر الاحتكار الإسرائيلي للتكنولوجيا الأمريكية الأكثر تقدمًا، وهو احتكار يُعتبر الضمان الأساسي لأمنها القومى لعقود، وقد تحولت هذه المخاوف إلى ضغوط سياسية فعّالة على «واشنطن»، خصوصًا مع تصاعد الأصوات داخل الكونجرس المطالبة بمراجعة دقيقة للصفقة.

الإعلان عن الصفقة كإشارة سياسية

يرى محللون تحدثت إليهم المجلة الأمريكية، أن هذا الإعلان جاء ليس كخطوة تقنية فقط، بل كإشارة سياسية من «واشنطن» لاستعدادها لإعادة فتح معادلات تسليحية جديدة فى الخليج، ويشير هؤلاء إلى أن التقارب الأمريكى – السعودى يمثل حجر الزاوية فى كثير من الحسابات الاستراتيجية للرئيس «ترامب»، خاصةً فى ظل محاولاته لتثبيت موقع الولايات المتحدة كقائد للتحالفات الإقليمية بعد سنوات من التراجع النسبي للدور الأمريكى.

المعادلة الجديدة وتأثيرها على إسرائيل

ومع ذلك، ترى إسرائيل أن هذه المعادلة قد تكون على حسابها، حيث تعتبر نفسها «الابن المدلل» للسياسة الدفاعية الأمريكية، وتستند لذلك إلى مبدأ التفوق العسكري النوعي، الذي التزمت به «واشنطن» قانونياً منذ الثمانينات، وذكرت «نيوزويك» أن هذه الضمانة ليست مجرد بند بروتوكولي، بل هي عنصر محورى للعلاقة الاستراتيجية بين البلدين، لذا فإن منح أمريكا السعودية مقاتلات «إف 35» يُعتبر خرقًا لمنظومة أمنية استمرت لعقود.

التعقيدات المحيطة بالصفقة

ونقلت «نيوزويك» عن يوسى ألفر، الضابط السابق في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، أن التعقيدات تحيط بالصفقة أكثر مما يُتصور، فعلى الرغم من الاتصالات غير المعلنة بين إسرائيل والسعودية، إلا أن العلاقة تمر بمرحلة حذر شديد، عقب الانتكاسات الأخيرة في «مسار التطبيع»، وأكد أن إعلان «ترامب» عن تخطيطه لصفقة المقاتلات المتقدمة للسعودية قد أعاد إشعال سباق التسلح في المنطقة، وجعل إسرائيل تبتعد أكثر عن حلم التطبيع السريع مع السعودية.

السعودية ليست كما كانت

كما أعرب خبراء أمريكيون عن اعتقادهم بأن مخاوف إسرائيل تتعلق بأن السعودية اليوم ليست كما كانت في الثمانينات، فهي تخوض عملية تحديث شاملة في سياستها الدفاعية، وتأسس شبكة علاقات دولية أوسع بما في ذلك تعاون تقني وعسكري مع الصين وكوريا الجنوبية وباكستان، مما يُثير القلق في وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» حول احتمال انتقال التكنولوجيا المتقدمة إلى جهات أخرى.

طريق الصفقة المعقد

لكن هذه المخاوف لا تلغي حقيقة أن الطريق أمام الصفقة معقد، فحتى لو قررت إدارة «ترامب» المضي قدمًا، فإن للكونجرس الكلمة الفصل، حيث عبّر عدد من أعضائه بالفعل عن رغبتهم في ضمان عدم التأثير على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل، ورأت «نيوزويك» أن الكونجرس يستعد لمواجهة سياسية عنيفة فور بدء إجراءات الصفقة.

التحديات الفنية والشركات المصنعة

على الجانب الآخر، هناك أيضًا العامل التقني، حيث تحتاج شركة «لوكهيد مارتن» للوفاء بالتزاماتها، والتي لديها جدول تسليمات يمتد لسنوات يشمل نحو 1172 مقاتلة لـ19 دولة، وبالتالي فإن أي طلب سعودي جديد سيكون بحاجة لسنوات حتى يتم تنفيذه، كما أشار إيمانويل نافون، الباحث في معهد القدس للاستراتيجية والأمن. وأضاف أن المسألة ليست أنه ستتلقى السعودية المقاتلات صباح الغد، بل ستكون إسرائيل نشطة جداً في الكونجرس لإبطاء العملية بكل ما يمكن.

تأثير الصفقة على العلاقات الإقليمية

وأشار «نافون» أيضًا إلى أن الظروف السياسية الراهنة تختلف عن الثمانينات، مما سيجعل «واشنطن» أقل استجابة للاعتراضات الإسرائيلية، فالرياض ليست مضادة لإسرائيل لكنها ليست حليفة واضحة أيضًا، و«واشنطن» تدرك أهمية الحفاظ على شراكتها الاستراتيجية مع الرياض نظرًا للتحولات الإقليمية وصعود قوى غير عربية في المنطقة.

تفاعلات الصفقة مع القضية الفلسطينية

لفتت «نيوزويك» إلى أنه لا يمكن عزل تأثير الصفقة المحتملة عن التفاعلات في ملفات مثل الوضع في غزة ومسار الدولة الفلسطينية، فمن منظور المسئول السابق في «الموساد»، إذا نجح «ترامب» في تحقيق ما يُعتبر «شرق أوسط مستقر»، مع إعادة إعمار غزة، وتأسيس دولة فلسطينية، وتحسن العلاقات الإسرائيلية – السعودية، فإن المخاطر المرتبطة بالصفقات السعودية ستكون «قابلة للاحتواء»، أما إذا تصاعدت التوترات في المنطقة، فإن «امتلاك السعودية لهذه المقاتلات سيكون بمثابة تهديد من نوع جديد.

التجربة الإماراتية السابقة

أشارت الصحيفة الأمريكية إلى تجربة سابقة لدولة الإمارات، التي حصلت قبل خمس سنوات على موافقة مبدئية لصفقة مشابهة، ولكنها لا تزال تنتظر استكمال إجراءاتها حتى اليوم، مما يعكس حجم التعقيدات الفنية والسياسية المرتبطة بالصفقة، وفي هذا السياق، لم تقدم السعودية حتى الآن طلبًا رسميًا لشراء هذه المقاتلات الأمريكية المتقدمة، وإذا تم تقديم الطلب رسميًا، فإنه سيخضع لسلسلة طويلة من المراجعات تبدأ من «البنتاجون» ولا تنتهي إلا بمناقشات الكونجرس.

واختتمت «نيوزويك» تقريرها بالتأكيد على أن إعلان الصفقة خلال زيارة ولى العهد السعودى للولايات المتحدة كان مجرد «بداية وليس نهاية»، وأن السنوات المقبلة ستشهد «معركة سياسية ممتدة» داخل «واشنطن» بين «إدارة ترامب»، الرامية لتعميق شراكتها فى الخليج، ومؤسسة سياسية وأمنية ترى أن أي تغيير فى موازين القوى التقليدية فى الشرق الأوسط يُشكل مخاطرة تحتاج إلى تمحيص دقيق قبل المضي فيها.