محكي الطفولة يغري روائيين مغاربة

هسبريس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

اهتمام بمقاربة الحكي والطفولة و”أسرار” استدعاء الطفل “الذي كانه الكاتب”، من أجل إعادة تدوين التفاصيل التي عاشها والمنعرجات التي مر بها، (اهتمام) حضر ضمن أنشطة “الأدب أفقا للتفكير”، في اليوم السادس للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط، في دورته الـ29، خصوصا أن العودة إلى مرحلة الصبا أصبحت تعرف “إقبالا لافتا” في الأدب.

اللقاء، الذي جمع كاتبان روائيان: عبد اللطيف محفوظ وأحمد اللويزي، أراد منهما مناقشة “محكي الطفولة بين الحقيقة والاختلاق”، لاسيما أن تعرف الكاتب على هذا “المحكي المُنقضي بلا رجعة” يُفضي في تجارب عديدة إلى “تحويل وقائع الطفولة المسترجعة إلى ممارسات أركيولوجية وتخييلية”.

جنس صار للجميع

الروائي والناقد عبد اللطيف محفوظ شرع في تفكيك الموضوع انطلاقا من تجربته، مؤكدا أن “التعابير التي ترتبط بالتعبير عن الأنا في علاقتها بمرحلة من مراحل العمر هي نوع من الأدب الشخصي، ونحن نعلم هذا النوع ليس متاحا للجميع، وبصفة خاصة المذكرات، فهي مخصوصة بالشخصيات ذات الوضع الاعتباري، فلا يكتبها إلا السياسيون أو المشاهير الكبار”.

وكأنه يحذر من “الاستسهال”، لفت محفوظ، في كلمته التي تقدم بها ضمن النشاط، إلى أن “السيرة الذاتية وعلى الأقل في بدايتها لم يكن يكتبها عدا الشخصيات الاعتبارية التي تستطيع بشكل أو بآخر أن تعبر عن قيمة ما وأن تصير قدوة للناشئة وللآخرين”، معتبرا أن كتابتها من طرف الجميع كما يحدث اليوم، تشكل حادثا في ثقافتنا العربية.

وسجل محفوظ في الإطار ذاته أن “السيرة الذاتية التي هي الجنس الأكبر لمحكي الطفولة من اللازم أن يكتبها شخص اعتباري، وهذا يشكل مشكلة كيف صارت آلية لكتابة الجميع؛ لأن الجميع أصبحوا يحررون أشياء يقدمونها على أنها سيرة ذاتية”، متسائلا: “كيف أصبحت جنسا متاحا للجميع في الوقت الذي كانت خاصة بفئة معينة من الناس؟”.

وتوضيحا أكثر للموضوع، دخل المتحدث في العلاقة بين السيرة الذاتية والرواية، مشددا على كون هذه العلاقة “ملتبسة، وتستدعي ضرورة تحديد ما هو متشارك وما هو مفارق. فنحن جميعا نعلم بأن الرواية حسب منظرين كبار الباحثين والكتاب أنها تعبير عن الأنا الممتد للكلية الاجتماعية للمجتمع، أي أنها تعبر عن زمن طويل غير محدد”. وأضاف: السير الذاتية أيضا تعبر عن كلية ممتدة وليس كلية معقودة، بمعنى أنها هي نفسها تغطي تطورا في الزمن لكنه محدود جدا.

وزاد: الرواية بإمكانها أن تمضي إلى أية لحظة من لحظات التاريخ، سواء الذي انصرم أي الرواية التاريخية بأصنافها المتعددة أو الذي سيأتي وهي رواية الخيال العلمي المستقبلي؛ بينما السيرة الذاتية فلا يمكنها ذلك ولا يمكنها إلا أن ترتبط بزمن محدد والذي عاشه من كتبها، وبما في ذلك مرحلة طفولته.

وتابع كاتب “وادي اللبن” شارحا: بين الجنسين، توجد كذلك اختلافات في ما هو تقني، أي تقنية الكتابة، لأن الميثاق السردي الذاتي يفرض أن يكون الكاتب هو الشخصية، هو السارد في الجنس الأكبر”. وأضاف: الرواية بدورها تمكن السارد من أن يقدم عالما مغايرا له، أو أن يكون هذا السرد جزء من هذا العالم، بينما السيرة الذاتية لا تقبل إلا أن يكون السارد يحكي عن ذاته.

رحلة شذرات

أحمد الويزي، المترجم والروائي، بدأ مداخلته بالتأمل في فكرة سبق لميلان كونديرا أن طرحها في كتاب “لقاء”، مسجلا أن كونديرا يتحدث عن الرواية ولا يتحدث عن السيرة الذاتية؛ ولكن بين السيرة الذاتية والرواية ثمة، بالإضافة إلى الفروقات، قواسم مشتركة.

وقرأ الويزي ما قاله كونديرا: “بعيدا عن الرواية، نحن لا نعرف في حياتنا الواقعية شيئا يذكر عن آبائنا مثلما كانوا قبل أن نولد؛ ذلك أننا لا نعرف عن أقاربنا وأحبابنا إلا بعض الشذرات. إننا نراهم يصلون ثم يرحلون، وبمجرد ما يختفون حتى يحل محلهم آخرون. إنهم يشكلون بذلك موكبا طويلا من الكائنات القابلة للاستبدال، والرواية وحدها هي التي تعزل الفرد وتسلط الضوء على سيرته وعلى أفكاره ومشاعره، فتجعله بذلك فردا غير قابل للاستبدال بحكم أنها تجعله محور كل شيء”.

وعلق كاتب السيرة الروائية “نكاية في هيراقليطس” على القول بالتأكيد على أن “الأدب مهم جدا في القبض على الفردانية الأصيلة للشخص وللشخصية كذلك، باعتبار أن هذا الشخص يعظ كائنا متميزا يتسم بخصائص وسمات أنطولوجية غير قابلة للاستبدال”، موضحا: “أنا لست أخي ولست أبي ولست أي شخص آخر داخل أسرتي، على الرغم من أننا نسكن بيتا واحدا ونعيش تحت سقف واحد”.

وأورد المتحدث أن “الأدب هو الذي يستطيع تسليط الضوء على المواقف والوضعيات الوجودية والقبض على جوهرها على نحو فني عميق، من حيث إن كل نص فني روائي وسيري يمكنه بهذا المعنى أن يكون مبحثا فينومينولوجيا، ويرتبط طبعا بالكينونة”.

وتحدث الكاتب عن مفهوم الشذرة، التي هي “مجموعة من النتف التي لا علاقة فيما بينها؛ وهي قطع صغيرة من المعادن والأحجار النفيسة. لذلك نربط بين المعنيين اللذين يوفرهما لنا الاشتقاق اللغوي”، وزاد: “هذه المتفرقات التي تحتفظ بها الذاكرة ويحتفظ بها خزان الذاكرة لا يحتفظ بها إلا لكونها نفيسة وتشكل بشكل من الأشكال هويتنا أو أجزاء من هذه الهوية التي هي نحن، باعتبار أن هذه الهوية هي هوية متحولة، ولكن لها ثوابت ترتبط بلحظات معينة داخل مسار طفولتنا ويفعنا وشبابنا”.

وتابع قائلا: “بالنسبة لي شخصيا، كان يسكنني منذ لحظات طويلة جدا هاجس الكتابة عن الطفولة، وحاولت بشكل كبير جدا أن أشتغل عليه شعريا، بدأت شاعرا ولم أبدأ ناثرا”، مؤكدا في الختام أنه “دخل الكتابة النثرية فيما بعد”، وقال: “بدأت مشواري في إطار المسار الإبداعي الذي أتحدث من خلاله معكم كشاعر؛ لكن الكتابة الشعرية لم تكن كفيلة بأن تعطيني إمكانية الحديث عن هذه الشذرات التي كانت وظلت تسكنني”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق