تقرير يرصد أزمات إصابات العمل في الأردن: ضَعف تشريعي وتهرب من التأمين

الشروق نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

وكالة أنباء العالم العربي
نشر في: الإثنين 13 مايو 2024 - 8:19 م | آخر تحديث: الإثنين 13 مايو 2024 - 8:20 م

كسرٌ في عظم الحوض وانزلاق في بعض مفاصل العمود الفقري، إصابات كانت سببا بتوقف إبراهيم سعادة عن العمل نهائيا، بعد أن سقط من الطابق الثالث في أثناء عمله بتمديدات الصرف الصحي داخل مبنى قيد الإنشاء.

ويقول الثلاثيني إبراهيم إن الإصابات سببت له عاهة مستديمة تمنعه من الوقوف لفترة طويلة، أو حمل أشياء ثقيلة، وبالتالي لم يعد قادرا على ممارسة مهنة مد شبكات الصرف الصحي، مصدر رزقه الذي كان يعيل به أبنائه الثلاثة.

ويضيف "لولا عمل زوجتي في مصنع للأدوية لما أمكننا تأمين الطعام والشراب".

مشكلة إبراهيم لم تتوقف عند هذا الحد، فقد تحمل تكاليف علاجه بالكامل، وفقد حقه بالحصول على راتب تعويضي، بعد أن تخلت عنه شركة المقاولات التي كان يعمل بها دون إخضاعه للضمان الاجتماعي، وادَّعت أن عمله لديها كان بنظام اليومية وأنه لم يكن عاملا ثابتا.

ينتظر إبراهيم حاليا الإجراءات الرسمية للحصول على تعويض من الشركة وراتب إعالة شهري بعد أن نجح في إثبات عمله بوظيفة ثابتة من خلال تحقيق أجراه الضمان الاجتماعي مع العاملين وإدارة الشركة.

قصة إبراهيم مشابهة لقصص الآلاف. ووِفق تحليل المرصد العمالي الأردني لأعداد مصابي العمل، فإن حالة وفاة ناجمة عن إصابة عمل تحدث كل يومين في الأردن، ومع انقضاء كل نصف ساعة يجري تسجيل إصابة عمل في القطاعات المختلفة.

تهرب من التأمين


زينب التي فقدت ثلاثا من أصابع يدها اليمنى خلال عملها على مقص الأقمشة في أحد مصانع الألبسة بجنوب العاصمة عمان كانت أكثر حظا من إبراهيم، فهي لم تتحمل أي تكلفة مالية للعلاج أو أثمان الأدوية بعد إصابتها، بل تكفَّلت مؤسسة الضمان الاجتماعي بذلك، كما أن راتبها الشهري لم يتوقف.

لكن زينب لم تُخفِ انزعاجها من قيام المصنع بفصلها من العمل، بالإضافة إلى أن الراتب الذي أصبحت تتقاضاه تقلص بنسبة 30 في المئة بعد أن سُحبت منه الإضافات، كالحوافز وبدل مخاطر العمل وغير ذلك.

وتُظهر أرقام مؤسسة الضمان الاجتماعي أن الإناث شكلن ما نسبته 25 في المئة من إصابات العمل المسجلة في المملكة خلال عامي 2022 و2023.

وخلال العام الماضي والربع الأول من العام الحالي سجَّل الضمان الاجتماعي ما يقرب من 24 ألفا و800 إصابة عمل في مختلف المهن العمالية، غالبيتها في مؤسسات القطاع الخاص، بينما بلغت الإصابات المسجلة خلال عام 2022 نحو 17 ألفا و778 إصابة، بحسب المتحدث باسم المؤسسة محمود المعايطة.

المعايطة كشف أيضا أن عدد إصابات العمل التي تم اعتمادها من ضمن ما تم تسجيله بلغ 15 ألفا و260 إصابة، بينما لم يستفد البقية من هذا الأمر لكونهم غير مشتركين في الضمان، مما يعكس حسب وصفه حجم التهرب التأميني للمنشآت والمؤسسات العاملة في المملكة.

وأضاف في حديث لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) أنه وفقا لقانون الضمان فإن تأمين إصابات العمل يتكفل بمصاريف علاج جميع المؤمن عليهم والعاملين في المنشآت والمشتركين بالصفة الإلزامية سواء كانوا أردنيين أو غير أردنيين في حال إصابتهم أوقات العمل أو حتى "عندما يكون العامل متوجهاً إلى عمله أو عائدا منه،"، بينما لا يشمل القانون العاملين في المؤسسات التي لا يخضع عاملون للضمان الاجتماعي.

وأكد المعايطة أن حجم التهرب التأميني كبير جدا، خاصة وأن من بين 150 ألف سجل تجاري لمؤسسات أو شركات في العاصمة عمان، لا يتعدى عدد الخاضع منها للضمان 70 ألف مؤسسة أو شركة، الأمر الذي يتسبب غالبا في ضياع حقوق العاملين سواء فيما يخص إصابة العمل أو الحقوق العمالية الأخرى.

إضافة إلى ذلك، أوضح المعايطة أن المؤسسة تواجه مشكلة قانونية إن هي أخضعت العاملين بالمهن غير المنظمة للضمان الاجتماعي، وقال "على سبيل المثال يوجد أكثر من 20 ألف أردني يعملون على تطبيقات توصيل الأشخاص أو الطعام في المملكة ولا يمكن قانونيا إخضاعهم للضمان على الرغم من أن عملهم خطير جدا واحتمال تعرضهم لإصابات أو وفاة بسبب حوادث السير والطرق مرتفع أيضا".

وخلال العقد الأخير زادت مؤسسة الضمان الاجتماعي من عدد الأعمال الواردة في قائمة "المهن الخطرة" لتشمل 60 مهنة مع تفرعاتها.

استراتيجية جديدة للسلامة


قبل نهاية العام الماضي أطلقت المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي بالتعاون مع وزارة العمل (استراتيجية السلامة والصحة المهنية للوقاية والحد من حوادث وإصابات العمل للأعوام 2023-2027)،" وتهدف إلى توفير بيئة عمل مناسبة في المنشآت والحد من وقوع إصابات بين المؤمن عليهم.

ولتحقيق هذه الغاية أكد المتحدث باسم وزارة العمل محمد الزيود في تصريحات لوكالة أنباء العالم العربي أن مديرية السلامة والصحة المهنية في الوزارة كثَّفت من جولاتها التفتيشية على منشآت القطاع الخاص في كل المحافظات للتأكد من التزامها بمعايير وشروط السلامة والصحة المهنية المنصوص عليها بقانون العمل الأردني.

وبيَّن الزيود أن مفتشي ومشرفي السلامة والصحة المهنية يعملون بشكل مباشر على تصويب أي مخالفات متعلقة بسلامة العاملين، إما عن طريق إنذار الشركة أو تغريمها ماليا.

وأشار أيضا إلى زيادة جولات التفتيش على المنشآت المخالفة بحيث تكون هناك زيارة أسبوعية للمفتش بهدف التأكد من التزام الإدارة بتصويب المخالفة وحماية العاملين.

وأكد الزيود أن الالتزام بمعايير وشروط السلامة والصحة المهنية من أولويات الوزارة "خاصة وأن هذا الأمر يعد مصلحة لكل من صاحب العمل والعامل". وأضاف أن وزارة العمل "نفذت خلال الربع الأول من العام الحالي زيارات توعوية لمئات الشركات والمؤسسات في مختلف القطاعات، لتوعية العمال وأصحاب العمل بأنظمة السلامة والصحة المهنية، وتعمل حاليا على تنفيذ حملة إعلامية توعوية حول إصابات العمل".

أرقام مقلقة ورقابة ضعيفة


خبير التأمينات والحماية الاجتماعية موسى الصبيحي كتب على صفحته على فيسبوك "يحتاج الأردن الكثير من الجهود والبرامج العملية والعلمية والتوعوية بقضايا السلامة والصحة المهنية وتوفير بيئات عمل آمنة وصحية للعمال في كل مواقع العمل وبكل القطاعات بلا استثناء".

وخلال حديثه إلى وكالة أنباء العالم العربي قال إن أوضاع السلامة والصحة المهنية في الأردن "مقلقة وتحتاج إلى تحرك سريع من قبل كل من مؤسسة الضمان الاجتماعي ووزارة العمل لوقف هذه الزيادة المتسارعة بإصابات العمل، والتي ستؤثر مستقبلا على سوق العمل والإنتاج في البلاد".

وأكد الصبيحي أن قانون السلامة والصحة المهنية غير مطبق إلى حد كبير، بل ويوجد تفاوت في مستويات تطبيقه بالمقارنة مع حجم المنشأة أو المؤسسة.

قال "في الوقت الذي تجد فيه التزاما بشروط السلامة في المنشآت الضخمة أو الكبيرة، تغيب تلك الشروط عن المنشآت المتوسطة والصغيرة".

وأشار إلى أنه في الكثير من الحالات لا يتم وضع شروط السلامة وفق منظور علمي، بل وفق اجتهادات من قبل أصحاب العمل، وهذا يعود من وجهة نظره إلى ضعف الرقابة الرسمية على منشآت الأعمال المتوسطة والصغيرة بشكل خاص.

وأضاف أن العقوبات المالية المنصوص عليها في الفصل التاسع من قانون العمل والمتعلق بالسلامة والصحة المهنية والتي تصل في حدها الأعلى إلى 500 دينار (حوالي 700 دولار) غير رادعة لأصحاب العمل، "خاصة وأن أي إجراء لغايات السلامة للعمال ستكون تكلفتها أضعاف تكلفة الغرامة المترتبة على صاحب العمل".

(الدولار = 0.709 دينار أردني)

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق