أكاديميون يتذكّرون بنعيسى بوحمالة.. "ابن بطوطة الأدب" المؤمن بكونية الشعر

هسبريس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تذكّر “قامة أكاديمية رفيعة في مجال نقد الشعر وقراءته وتدريسه” فقدها المغرب والعالم العربي كانَها الناقد بنعيسى بوحمالة، حضر في لقاء نظمته الدورة التاسعة والعشرون من المعرض الدولي للكتاب والنشر بالرباط.

وقال محمد عفط، رئيس شعبة اللغة العربية بالمدرسة العليا للأساتذة بمكناس، إن الأكاديمي الراحل “كان صورة للمثقف كما يجب أن يكون؛ عاشرته أزيد من ثلاثين سنة، ولم أجد منه يوما ما يعكر صفو تلك العلاقة العظيمة، وأنظر إليه دائما أستاذا لي، وقد بذر بذورا طيبة، وأكبر دليل على ذلك نجله الحاضر معنا”.

وأضاف عفط: “كان أستاذا في المدرسة العليا للأساتذة بقيم عظيمة كان يجلّيها، وجعل الكثير من طلبة المدرسة يتحولون إلى البحث حول الشعر، ولو لم يكن ذلك دائرا في خلدهم، لما كان ينثره من بذور الشد والانتباه في محاضراته عن الشعر”، قبل أن يتطلع إلى “أن يكون هذا اللقاء بداية لا نهاية للاهتمام بالرجل وما أنجزه على المستويين النقدي والتربوي”.

من جهته، تحدث الأكاديمي والشاعر علال الحجام، الذي سيّر اللقاء، عن بوحمالة الذي “كان موسوعيا، ويكفي أن نراجع كتاب ‘أيتام سومر’ لنلاحظ موسوعيته ولو من خلال الهوامش التي تأخذ نصف صفحة أحيانا”. كما استحضر “المحبة التي كان يتميز بها، وأضفاها على طلابه وزملائه”، قبل أن يعرّج على “خياله المجنّح، وأسلوبه الساحر”، ليختم بقول: “دراساته وترجماته عزاؤنا”.

وفي جلسة العرفان هذه قرأ الشاعر محمد الصالحي مقتطفات من كتابته عن أسبوع جمعه والراحل بنعيسى بوحمالة في مصر، ممثّلين للمغرب، وما استشفّه فيه من خصائص؛ من بينها “اطلاعه الواسع على المدونة النقدية الشعرية العربية القديمة”.

من جانبه، ذكر زكرياء بوحمالة، الباحث ونجل الفقيد، أن علاقته بوالده تلخّصها كلمة “الإنصات”؛ فـ”كلما تواصلت معه إلا وأبدى لي ضرورة الإنصات (…) بتمعن (…) أن أكون معيرا له كل الاهتمام، وكان لهذا أثر قوي علي، وأتفهم مصدره؛ فالجد رحمه الله كان يريد لوالدي السمو، وأن يبني مستقبله، وأوصاه بالدراسة، وكان جدي يتهجى القراءة، رغم ازدراء نظرات الناس وهو رجل بسيط أمام بيته يحمل كتابا، مما أثّر في والدي، وأراد أن يَسمو إنسانيا بالدراسة والقراءة، حتى يرتّب معارفه، ويكون خير خلف لخير سلف”.

بدوره، قال عبد الرحيم أخ العرب، الأستاذ الباحث المتخصص في الأدب الحديث والنقد، إن بنعيسى بوحمالة “علم من أعلام الثقافة المغربية”؛ “تكوّن في مدرسة الفتح بالزيتون، التي أسستها سنة 1946 الحركة الوطنية من أجل تعليم الجيل الجديد ‘تمغرِبيت’ (…) حتى لا يتأثر بثقافة أخرى، وهي مدرسة تعلم فيها القيم المغربية العريقة والمواطَنة الحقة”، ليصير بعد ذلك “سفيرا للنخوة المغربية عامة والمكناسية خاصة”، ويلقّب بـ”رولان بارث المغرب”.

وتابع الباحث المتخصص في الأدب الحديث والنقد: “درّس بمدرسة الأساتذة بمكناس، وجامعة مكناس، وجامعة الأخوين، وشارك بمداخلات ومؤتمرات وطنية ودولية في أمريكا وآسيا وأوروبا وإفريقيا، فهو علَم”، أما على مستوى ذاكرة الكتابة؛ فـ”قلمه لم ينضب ولم يجف إلى آخر رمق، منذ مقالاته المفتتحة سنة 1982 بمقاله الرائد ‘الخطاب الاستجدائي””.

وواصل أخ العرب: “لم يكن بوحمالة ينسى الكتابة المغربية، ولو كانت المنابر التي ينشر فيها مصرية وعربية”، وهو “مؤمن بكونية الشعر، جوهرته الزرقاء التي يبحث عنها (بفطنة إنسانية) في كل مكان بالعالم والحياة اليومية، ولا يفتر بحرقة كبيرة عن إيقادِ جذوة الشعر، حاملا في رابعة النهار مصباحه باحثا عن إنسان لا رمل في عينيه”.

ومن بين ما تطرقت له المداخلة العمل البحثي الصادر في جزءين للفقيد حول النزعة الزنجية في الشعر السوداني المعاصر، واعتباره له “وسيلة للمقاومة الثقافية للمعيار، تفوق اللون الأبيض، ووسيلة لتعزيز الذاكرة الجماعية استجابة لنداء سنغور؛ ‘يجب أن نستجيب لزنجيتنا’ (…) بمقاربة جعلت هذه الاستجابة لا قضيةََ أنطولوجية فقط بل أنثروبولوجية؛ أي ليس فقط ‘من أكون؟’؛ بل مَن أكون بالنسبة للآخرين ومن يكون الآخرون بالنسبة لي، فالهوية لا تنفصل عن مفهوم الغيرية”.

ووصف أخ العرب الناقد الراحل بـ”ابن بطوطة الأدب؛ فلم يكتف بالتنقيب والسياحة في الشعريات الغربية والآسيوية، بل أكمل الرحلة في رحاب الشعرية العربية والمغاربية (…) وفي كتابه ‘شجرة الأكاسيا’ كتب ما سماه زملاؤه، مثل علال الحجام، القوة النقدية الهادئة؛ راسما تحليلا إبداعيا لشعراء العالم العربي دون أن ينسى المرأة (…) وكان مشدودا بالبحث عن القيم الشعرية في الموروث والميراث الثقافي”.

وختم الأستاذ الباحث المتخصص في الأدب الحديث والنقد كلمته في هذا اللقاء المنظم ضمن فعاليات الدورة التاسعة والعشرين من المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط بقوله: “ستظل شخصيته ذاكرة حية فِينا، من المحيط إلى الخليج.. وسيظل بنعيسى بوحمالة جسرا ثقافيا عابرا للأجيال”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق