لا شك في القيمة الكبيرة التي تحملها الحفلات المدرسية والجامعية، فهي في الأساس وسيلة لتجديد النشاط والحيوية داخل المجتمع التعليمي على اختلاف مستوياته وشرائحه، إنها فرصة ذهبية لتلاقي الطلاب والمعلمين وأولياء الأمور في أجواء مريحة بعيدة عن ضغوط الدراسة والاختبارات.
أهداف الحفلات المدرسية والجامعية
يبقى الهدف الأسمى لهذه الفعاليات هو تعزيز قيم التعاون، وتوطيد روح الفريق الواحد، وغرس معاني الوطنية والانتماء، بالإضافة إلى إبراز مواهب الطلاب المتنوعة في مجالات الغناء، التمثيل، الإلقاء، الرسم، الأنشطة الثقافية، اللياقة البدنية، الشعر وغيرها، بحيث يشعر كل طالب بقيمته وأهميته، وبأن له بصمة خاصة تميزه، وأنه مبدع في هوايته ومحل تقدير.
إضافة إلى ذلك، من المفترض أن تكون هذه المناسبات أداة فاعلة لترسيخ الانتماء الوطني، وذلك من خلال الأناشيد والفعاليات التي تجسد جمال الهوية والعادات والتقاليد المصرية الأصيلة، مما يخلق روابط قوية بين الأجيال الشابة وتاريخها العريق وقيمها النبيلة.
تراجع قيمة الحفلات المدرسية والجامعية
لكن المؤسف حقًا هو أن بعض المدارس والجامعات تفاجئنا بين الحين والآخر بواقع مرير، يكشف عن تراجع ملحوظ في مستوى هذه الحفلات وقيمتها المنشودة، حيث تحولت في بعض الأحيان إلى مشاهد لا تمت بصلة إلى أهدافها السامية وقيمنا وعاداتنا الأصيلة، وفقدت بذلك جزءًا كبيرًا من أهدافها التربوية والتعليمية.
نشاهد بكل أسف مظاهر غير منضبطة أو استعراضية لا تثري الطلاب بأي شكل من الأشكال، بل إن الأسر بدأت تشعر بأن هذه المناسبات قد انحرفت عن مسارها الصحيح، وأصبحت مجرد استعراض سطحي لا يحمل أي قيمة مستدامة ولا يرسخ لأي معانٍ أو قيم نبيلة.
أين تكمن المشكلة؟
تكمن المشكلة بكل وضوح ليس في إقامة الحفلات بحد ذاتها، بل في الأسس والأهداف التي تقوم عليها، وفي كيفية تنظيمها، وفي الرسالة التي تسعى إلى إيصالها إلى الطلاب، فإذا كانت هذه الحفلات مجرد صخب وضجيج، فلن يخرج الطالب منها إلا بذكريات عابرة، وبالتالي تفقد قيمتها الحقيقية.
إعادة الحفلات إلى مسارها الصحيح
ماذا لو عدنا إلى القيم التي تربينا عليها؟ ماذا لو أدرنا هذه الفعاليات بوعي تربوي سليم؟ حينها ستستعيد الحفلات المدرسية والجامعية قيمتها المفقودة، وتتحول إلى وسيلة فاعلة لغرس الانضباط، وتعليم الطلاب معنى الالتزام والمسؤولية، وحب الوطن، وكيفية التعاون لإنجاح أي فعالية يشاركون فيها جميعًا.
إن إدراج الفنون المختلفة في قالب أنشطة هادفة، مثل المسرحيات التعليمية، الأمسيات والمسابقات الشعرية، عروض الموسيقى والباليه الراقية، أو معارض الفنون التشكيلية، سيحول البيئة التعليمية إلى منصة حقيقية لاكتشاف المواهب وتطويرها، مما يحد من سلوكيات العنف لدى الطلاب ويوفر لهم مسارات آمنة لاستغلال طاقاتهم الإبداعية.
ومن الجدير بالذكر أيضًا أن الطالب عندما يشعر بأن المدرسة أو الجامعة لم تقتصر على الجانب الأكاديمي فحسب، بل احتضنت مواهبه وقدمت له تجربة إنسانية متكاملة، فإن ذلك ينمي بداخله الثقة بالنفس والانتماء لمدرسته ووطنه، ويفتح أمامه آفاقًا جديدة للإبداع.
إلى متى؟
وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال مهم:
إلى متى سنظل نشهد حفلات بلا هوية أو معنى؟
متى سيتحول المشهد إلى ساحة تربوية حقيقية ترتكز على رسالة واضحة، قوامها الوطنية والقيم الوطنية الخالصة، لا مجرد صخب وضجيج عابر بلا هدف أو معنى؟