«مبادرات واعدة» لتقليل الاغتراب

أعلن مكتب التنسيق التابع لوزارة التعليم العالي في مطلع الأسبوع الحالي عن الانتهاء من تنسيق رغبات مليون و22 ألف طالب وطالبة إلكترونيًا على مستوى شهادة الثانوية العامة وما يعادلها، وقبل الخوض في تفاصيل هذا الرقم، أود التوقف قليلًا عند مدى نجاح هذا التنسيق في تخفيف الأعباء عن الأسر، خاصةً فيما يتعلق باغتراب الأبناء والتكاليف الإضافية المصاحبة له، والتي قد لا يقدر عليها البعض.

عبء الثانوية العامة والحلول البديلة

لا شك أن الثانوية العامة أصبحت عبئًا ثقيلاً على الأسر، لدرجة تدفع البعض إلى اللجوء إلى التعليم الفني كحل بديل لتجنب التكاليف الباهظة، خاصةً مع إمكانية استكمال التعليم الجامعي في حال الحصول على درجات مرتفعة، وهو ما قد لا يتحقق في التعليم الثانوي، وجود أكثر من 306 آلاف طالب من الشهادات الفنية تم تنسيقهم في التعليم الجامعي هذا العام، يعتبر دليلًا قاطعًا على صحة هذا التوجه، فالأسر تبحث عن طرق أقل تكلفة لتأمين مستقبل تعليمي لأبنائها.

تحديات التعليم الجامعي وتكاليفه

في ظل هذه الأعباء المادية التي تتحملها الأسر، يجب التفكير جديًا في تقليل تكاليف استكمال التعليم الجامعي، فالعديد من الأسر لا تستطيع تحمل نفقات دراسة أبنائها في محافظات أخرى، بل يرفض البعض فكرة الاغتراب، خاصةً للإناث، وأمام هذا الوضع، يضطرون إلى اللجوء إلى التعليم الخاص، مما يزيد من أعبائهم المالية، فالتعليم الجامعي يجب أن يكون متاحًا وميسرًا للجميع، بغض النظر عن القدرة المالية.

معضلة تقليل الاغتراب والحلول المتاحة

قد يكون لوزارة التعليم العالي، ممثلة في مكتب التنسيق، مبرراتها في رفض طلبات تقليل الاغتراب، خشيةً من تكدس الطلاب في جامعات معينة ونقصهم في جامعات أخرى، مما يؤثر على جودة العملية التعليمية، لكن هذا لا يبرر حرمان الطالب من حقه في التحويل إلى كلية يتجاوز مجموعه الحد الأدنى لها بعشرات الدرجات، مما يضطره للاغتراب أو اللجوء إلى التعليم الخاص، وهو ما يثقل كاهل الكثير من العائلات، فمن حق الطالب أن يلتحق بالكلية التي يستحقها بناءً على مجموعه، دون إجباره على تحمل أعباء إضافية.

معاناة الأسر مع رفض طلبات تقليل الاغتراب

على مدار الأيام الماضية، تلقيت العديد من الاتصالات الهاتفية من أشخاص يطلبون المساعدة لتعديل رغبات أبنائهم، بعد رفض مكتب التنسيق طلباتهم في تقليل الاغتراب، ليجدوا أنفسهم أمام واقع لا يمكن قبوله، سواء لأسباب اقتصادية أو اجتماعية، وسط تفاصيل مؤثرة تدعو إلى التعاطف، ولكن دون جدوى، فالأسر تجد نفسها عاجزة عن توفير البيئة المناسبة لأبنائها بسبب صعوبة الحصول على الموافقة بتقليل الاغتراب.

تكاليف الإقامة وتحديات التعليم الخاص

الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فالبعض ممن تحملوا المزيد من الأعباء وقبلوا بالتعليم الخاص من أجل مستقبل أفضل لأبنائهم، فوجئوا بتكاليف إقامة تفوق مصاريف الدراسة، مما اضطرهم إلى الإقامة في أماكن خاصة قد تصل تكلفتها إلى أرقام باهظة، وسط مخاوف من المجهول الذي ينتظر هؤلاء الأبناء، فتكاليف التعليم تتجاوز الرسوم الدراسية لتشمل الإقامة والمعيشة، مما يزيد من الضغط على الأسر.

مناشدة لوزارة التعليم العالي

والبعض قد يتحمل لمدة عام على أمل النقل في العام التالي بعد الاجتهاد للحصول على تقدير يتيح ذلك، إلا أن هذا أيضًا للأسف لا يتحقق بسهولة، ومن هنا أناشد وزارة التعليم العالي الرأفة والنظر بعين الاعتبار لهذه الأمور ومراعاتها من العام القادم، خاصةً أن هناك الكثير ممن لا يملكون الخبرات لتحديد رغباتهم بشكل جيد، وقد يقعون في فخ الاختيار الخاطئ، فيجدون أنفسهم في مأزق قد لا يمكنهم من استكمال تعليمهم، فمن الضروري توفير الدعم والإرشاد اللازمين للطلاب لمساعدتهم على اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن مستقبلهم التعليمي.