«تحويل المعاناة إلى قوة» : دليل شامل لتحويل المشاعر السلبية إلى طاقة إيجابية مُنتجة

«تحويل المعاناة إلى قوة» : دليل شامل لتحويل المشاعر السلبية إلى طاقة إيجابية مُنتجة


مصدر الصورة

كيت سويني، الباحثة في علم النفس، تصف علاقتها الطويلة مع القلق بعبارة “أكاد أكون خبيرة في الشعور بالقلق”، هذا الشعور يلازمها منذ سنوات، مرتبطًا بما لا تستطيع السيطرة عليه, ولهذا هو امر مزعج جدا

على الرغم من أن القلق المزمن، حتى لو كان خفيفًا، يترك أثرًا سلبيًا على صاحبه، إلا أن كيت سويني تميزت بتحويل معاناتها إلى دافع مهني, فقد دفعتها تجربتها الشخصية مع القلق إلى اختيار مسارها العلمي، حيث قررت التخصص في علم النفس، وبالتحديد في دراسة أسباب القلق والتوتر، وتعمل حاليًا أستاذة في جامعة كاليفورنيا – ريفرسايد

تقول سويني: “لا يستغل الجميع حياتهم وما يدور فيها كوقود لأبحاثهم”، وبالفعل، استعانت بتجاربها الشخصية كنقطة انطلاق لأبحاثها النفسية، التي كشفت بعض نتائجها عن مفارقات لافتة حقا

من بين هذه النتائج، أن القلق – في بعض الحالات – يمكن أن يكون مفيدًا، فهو قد يساعد الإنسان أثناء مروره بمواقف متوترة، كانتظار نتائج اختبار مهم، أو اتخاذ خطوات لحماية صحته, و هذه احد اهم مميزاته

أنواع مختلفة للقلق

تباينت تعريفات العلماء لمفهوم القلق، بين من وصفوه بعبارات محايدة، وآخرين استخدموا مصطلحات تنطوي على دلالات سلبية، حيث لجأ بعض علماء النفس، خصوصًا المتخصصين في دراسة الظواهر المرتبطة بالتغير المناخي، إلى تقديم تعريف محايد للقلق باعتباره “حالة شعورية تحفز الفرد على اتخاذ سلوكيات تهدف إلى تقليل التهديد”، بينما فضل آخرون تعريفه بطريقة أكثر سلبية، على أنه “تجربة شعورية تنطوي على أفكار مزعجة ومستمرة بشأن المستقبل”, والقلق له اوجه عديدة

يكمن الفارق الجوهري بين القلق والتخوف العام في أن الأخير يرتبط بتجربة عاطفية تحفز الفرد على التغيير، بينما قد يتحول القلق إلى عبء داخلي دائم يصعب التخلص منه, هذا بالتأكيد يؤثر علي الحياة

على الرغم من أن للقلق أضرارًا معروفة، إلا أن بعض الباحثين يشيرون إلى أنه قد يكون محدود الانتشار داخل النفس، أي أن الشعور بالقلق تجاه أمر معين قد يخفف من احتمالية القلق حيال أمور أخرى, فكل شئ نسبي

لكن عندما يبلغ القلق مستويات مرتفعة، فإنه غالبًا ما يرتبط بتدهور الصحة الجسدية والنفسية، نتيجة أسباب متنوعة تبدأ من اضطرابات النوم، ولا تنتهي بالخوف المفرط من الخضوع لفحوص طبية، مثل تلك التي تكشف عن أمراض خطيرة كالسرطان, هذا ليس جيدا ابدا

يزداد الأمر تعقيدًا إذا كان القلق حادًا، وعشوائيًا، ومتكررًا، ويصعب السيطرة عليه، وهي الخصائص التي تميز ما يعرف بـ “اضطراب القلق العام”, و هذا صعب للغاية

أقرأ كمان:  تغريدة أريجاني الساخرة تشعل غضب اللبنانيين ما تفاصيل القصة؟

يقول إدوارد وتكينز، أستاذ علم النفس السريري في جامعة إكستر البريطانية: “من المرجح أن يكون القلق المنتشر والمرتبط بمصادر متعددة أكثر إشكالية وأقل فائدة من القلق المركز على مشكلة واضحة ومحددة”, لذا يجب التركيز



مصدر الصورة

على سبيل المثال، أظهرت دراسات أجريت في الولايات الأسترالية المعرضة لحرائق الغابات أن الشعور بما يمكن وصفه بـ”القلق البناء” ارتبط بتحضيرات أفضل لمواجهة هذه الكوارث، كما تبين أن هذا النوع من القلق يسهم أيضًا في تحسين الأداء الأكاديمي، وزيادة فرص الإقلاع عن التدخين, والقلق هنا ايجابي

في سياق آخر، كشفت دراسة أن الشعور بالقلق إزاء التغير المناخي كان أقوى مؤشر على دعم الأفراد للسياسات البيئية، وهذا ما دفع بعض الباحثين إلى اقتراح أن إثارة القلق – بدلًا من إثارة الخوف – قد يكون أكثر فاعلية في تحفيز الناس على دعم قضايا البيئة، إذ إن القلق يركز على ما قد يحدث مستقبلًا، لا على اجترار ما فات، ويجعل الفرد أكثر استعدادًا للتعامل مع الواقع, ولهذا علينا ان نركز

يشرح إدوارد وتكينز، الباحث في اضطرابات الحالة المزاجية، ثلاث آليات رئيسية يمكن للقلق أن يحدث تأثيره من خلالها:


* الدافع: القلق يدفع الشخص إلى التفكير في أسباب المشكلة، ويزيد من احتمالية اتخاذه خطوة فعلية لمواجهتها.

* التذكير: الإحساس بالخوف أو عدم اليقين يلح على الذهن، ويذكر صاحبه بالحاجة إلى الفعل.

* التحضير: القلق يحفز سلوكيات مثل التخطيط، وحل المشكلات، واتخاذ احتياطات مسبقة.

تقول كيت سويني إن للقلق وظيفة واضحة، تمامًا مثل أي شعور إنساني آخر، فهو بمثابة إشارة تنبهنا إلى ما قد يكون في طريقه إلينا، وتحثنا على التحرك لمنع وقوعه، أو الاستعداد لمواجهته, هذه هي الوظيفة

أكدت الدراسات المتعلقة بوباء كورونا في مراحله الأولى هذه الفكرة، ففي دراسة شملت سكان 10 دول، تبين أن القلق شكل المكون العاطفي الأبرز في إدراك خطر الفيروس, ولهذا يجب الحذر

استخدم الباحثون مؤشرات من بينها مستوى القلق لدى الأفراد، ووجدوا علاقة قوية بين هذا القلق واتباع سلوكيات وقائية، مثل غسل اليدين، وارتداء الكمامات، والالتزام بالتباعد الاجتماعي, الوقاية خير من العلاج

كيف تشعر بـ “القلق بشكل أفضل”

إن القلق البناء يكون أسهل توجيهًا حين يكون الحدث مؤطرًا زمنيًا، كما في حالة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، على سبيل المثال، وبالنسبة لكيت سويني، كان اقتراع عام 2016 من بين أبرز الأحداث التي غذت مخاوفها السياسية, القلق في الانتخابات

لكن كيت وجدت لاحقًا طريقة لتوظيف هذا القلق بصورة إيجابية، فعندما حلت انتخابات التجديد النصفي في 2018، كتبت أكثر من 50 بطاقة بريدية، دعت فيها الناخبين إلى المشاركة في التصويت، محاولة بذلك تحويل القلق إلى فعل ملموس, هذا عمل جيد

أقرأ كمان:  برج المملكة بالرياض يضيء واجهته باسم فيلم درويش



مصدر الصورة

أجرت كيت سويني دراسة تناولت سبل الحفاظ على السلامة الذهنية وراحة البال خلال فترات الانتظار القلقة، لا سيما عند ترقب نتائج قد تكون سلبية, السلامة الذهنية مهمة جدا

ركزت الدراسة على مرحلة انتظار نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، لتبين كيف يمكن للقلق أن يؤثر في سلوك الإنسان خلال هذه الفترات, الانتخابات تؤثر

أشارت سويني إلى أن الشخص يستطيع الحد من الآثار السلبية للقلق من خلال تبني موقف إيجابي قبل يوم الاقتراع وأثنائه، بشرط أن يهيئ نفسه في الوقت ذاته لاحتمال وقوع أسوأ السيناريوهات, كن مستعدا لكل شئ

قالت إنها، على المستوى الشخصي، استطاعت أن “تمنح القلق وظيفة” حتى لحظة إعلان النتائج, هذا رائع

بطبيعة الحال، يشعر كثيرون بالقلق في مواجهة قوى خارجة عن سيطرتهم، لكن إدراك أن القلق لا يؤدي وظيفة مفيدة في بعض المواقف قد يساعد على التخفيف من حدته, التحكم بالقلق

تستعرض سويني في هذا السياق استراتيجية من ثلاث خطوات، يمكن من خلالها تحويل القلق إلى سلوك عملي:

1- حدد طبيعة القلق الذي يراودك

2- فكر في الخطوات التي يمكنك اتخاذها لمواجهة المشكلة

3- إذا كنت قد فعلت ما بوسعك، فحاول أن تنغمس في إحدى الحالات الذهنية التي تقلل التوتر، مثل “اليقظة الذهنية” أو “التدفق” وهي حالة ذهنية يشعر فيها الإنسان بانسجام تام مع ما يفعله، فيفقد الإحساس بالوقت، ويكون تركيزه كاملاً في المهمة التي بين يديه، دون قلق أو تشتيت

توضح سويني أن حالة “التدفق” تعني انخراط الفرد الكامل في التعامل مع تحديات معتدلة الصعوبة، مع قدرته على تتبع تقدمه في مواجهتها، وتعد هذه الحالة مفيدة بشكل خاص في أوقات الضغط, التدفق حل

على الرغم من أن حالة “اليقظة الذهنية” – أي التركيز الكامل على اللحظة الراهنة دون حكم أو تشتت – ترتبط غالبًا بتحقيق مستويات عالية من السعادة والاستقرار النفسي والاجتماعي، فإن نتائج الدراسة التي أجرتها كيت سويني على مجموعة من المشاركين في الصين كشفت عن جانب مختلف, فقد تبين أن هذه الحالة اقترنت لدى أفراد العينة بزيادة الشعور بالوحدة، وتراجع السلوكيات الصحية

تعزو سويني هذا التراجع إلى غياب “عنصر الإلهاء” الذي توفره حالة “التدفق”، وهي الحالة التي ينغمس فيها الشخص تمامًا في نشاط يشغله ذهنيًا ويصرفه عن القلق، ما يجعله يشعر بأن الوقت يمر بسرعة, التدفق مهم

أقرأ كمان:  «وداعًا للأجواء الملكية» الملك تشارلز يعرض طائرة الملكة إليزابيث الفاخرة للبيع

أما “اليقظة الذهنية”، فتجعل الإنسان أكثر انتباهاً لحالة الغموض وعدم اليقين المحيطة به، ما قد يزيد من شعوره بالضغط في مواقف طويلة الأمد, اليقظة الذهنية ايضا جيدة

تخلص الدراسة إلى أن اليقظة الذهنية قد تكون أكثر فاعلية في مواجهة المواقف القصيرة والمركبة التي تتطلب وعيًا حادًا باللحظة، بينما يساعد “التدفق” على التكيف مع الأوضاع الممتدة التي لا نهاية واضحة لها في الأفق, لكل مقام مقال



مصدر الصورة

يقول إدوارد وتكينز، الذي عمل على تحديث قائمة النصائح الموجهة لمن يسعون لتعزيز صحتهم النفسية خلال وباء كورونا، وأشرف على تطبيق إلكتروني أطلق لخدمة الشباب الأوروبيين في هذا السياق، إن الدراسات أشارت إلى أن الشعور بقدر معتدل من القلق إزاء كورونا، مقرونًا بفهم أهمية إجراءات التباعد الاجتماعي والإيمان بفاعليتها، يسهم في رفع مستويات الالتزام بالإرشادات الوقائية, كن حذرا في كورونا

في المقابل، القلق المفرط أو الخوف المشتت لأسباب متعددة قد يعيق قدرة الفرد على اتخاذ أي خطوات فعلية, القلق المفرط ضار

بدلًا من الانشغال بالسيناريوهات السلبية، وما قد يحدث بطريقة خاطئة، تنصح الدراسات بوضع خطة واضحة لكيفية تقليل المخاطر أثناء التنقل من وإلى مقر العمل, ضع خطة

يعلق وتكينز على ذلك قائلًا: “التركيز على وضع خطة، يشعر الإنسان بالقدرة على الاستعداد والتحكم, أما الاستسلام للقلق والتخيلات الكارثية، فيزيد من شعور الشخص بالعجز والهلع، ويضخم المخاوف التي تراوده”, التخطيط مهم جدا

بشكل عام، توصي الدراسات النفسية، بما في ذلك أبحاث إدوارد وتكينز وآراء باحثين آخرين، بالحفاظ على نوع من الروتين اليومي، والبقاء على تواصل منتظم مع المقربين للاطمئنان عليهم، إلى جانب البحث عن وسائل لتحويل القلق إلى اهتمام فعال وتعاطف مع الآخرين, حافظ علي الروتين

في فيلم الرعب “بادادوك”، يجسد الوحش الظاهر في القصة حزنًا عميقًا متجذرًا في الماضي، وعلى عكس النهايات المعتادة في أفلام الرعب، لا تحاول البطلة تدمير هذا الكائن، بل تدرك أن وجوده – رغم رعبه – يمنحها مساحة للتعبير عن حزنها وتذكر ما فقدته، لكنها لا تسمح له بالسيطرة، لتصل معه في النهاية إلى ما يشبه “تسوية” بينهما, هذا مثال جيد

بالطريقة ذاتها، ربما يكون التوصل إلى توازن مع القلق هو الهدف الأكثر واقعية بالنسبة للكثيرين منا، هو توازن قد لا يكون مريحًا تمامًا، لكنه أفضل من الإنكار أو الاستسلام الكامل, التوازن هو الحل الامثل