بعد سنوات من الحصار التقني والتجاري الأميركي، برزت شركة هواوي الصينية كلاعب رئيسي في ساحة الذكاء الاصطناعي، متحدية بذلك كبار مصنعي الرقائق وعلى رأسهم “إنفيديا”،.
هذه الشركة، التي بدأت رحلتها كموزع متواضع للهواتف من شقة صغيرة في شنتشن، تُصوَّر اليوم في الصين كبطل قومي يقود البلاد نحو الاكتفاء الذاتي في مجال الذكاء الاصطناعي، بل وتسعى للمنافسة على الريادة العالمية في هذا المضمار.
من الضغوط إلى التفوق
تحت وطأة القيود الأميركية المتزايدة، وجدت “هواوي” نفسها مجبرة على تغيير مسار أعمالها والتركيز على مجالات جديدة، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي، فقامت بتوسيع نطاق عملها ليشمل الرقائق المتقدمة ومراكز البيانات ونماذج اللغات الكبيرة والتطبيقات الصناعية المتخصصة، وذلك وفقًا لتقرير نشرته شبكة “سي إن بي سي” واطلعت عليه “العربية Business”.
تعكس قصة صعود هواوي تحولًا استراتيجيًا مدفوعًا بالإصرار على تجاوز العقبات، مما يبرز قدرة الشركات الصينية على التكيف والابتكار في وجه التحديات الخارجية.
ويرى بول تريولو، نائب الرئيس الأول في شركة DGA Albright Stonebridge، أن ما يميز “هواوي” هو قدرتها الفريدة على اقتحام مجالات معقدة ومتنوعة بكفاءة عالية، بالرغم من صعوبة الدخول إلى هذه المجالات.
ويضيف: “لقد أجبرت العقوبات الأميركية الشركة على التقرب أكثر من الحكومة الصينية، في حين كان مؤسسها، رين تشنغ فاي، يحرص دائمًا على إبعاد هواوي عن السياسة”.
حين تصبح العقوبات محفّزًا
منذ إدراجها في القائمة السوداء الأميركية عام 2019، واجهت “هواوي” سلسلة من القيود التي منعتها من التعامل مع شركات كبرى مثل “غوغل” و”TSMC”، مما أدى إلى انخفاض مبيعات هواتفها الذكية وتكبدها خسائر كبيرة في قطاع المستهلكين.
لكن بدلًا من الاستسلام، استغلت “هواوي” هذه الضغوط كحافز للابتكار، فأطلقت شريحة “Ascend 910” المصممة خصيصًا لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، وبدأت بذلك فصلًا جديدًا في سباقها التكنولوجي.
لاحقًا، أثارت عودة “هواوي” القوية دهشة المراقبين في الولايات المتحدة، خاصة بعد الكشف عن هاتف يدعم شبكات الجيل الخامس “5G” بشريحة متطورة صُنعت داخل الصين، على الرغم من انفصالها عن المورد التايواني “TSMC”.
وتشير التقديرات إلى أن الشركة تعتمد حاليًا على شريك محلي آخر هو “SMIC”، على الرغم من إدراج هذه الشركة أيضًا في القائمة السوداء الأميركية.
كسر هيمنة “إنفيديا”
في ظل القيود المفروضة على شرائح “إنفيديا” المتطورة، بدأت “هواوي” في تطوير بدائل محلية لا تقل طموحًا، حيث كشفت عن شريحة “Ascend 910B”، وتستعد لإنتاج الجيل الأحدث منها، “910C”، على نطاق أوسع.
وباستخدام نظام “CloudMatrix 384″، الذي يربط 384 شريحة في مجموعة واحدة، تزعم الشركة أنها قادرة على منافسة، بل وتجاوز أداء أنظمة “إنفيديا” المتطورة مثل “GB200 NVL72″، في بعض المهام.
ولم تكتفِ “هواوي” بتطوير الأجهزة فقط، بل قامت أيضًا بإنشاء نظام برمجي موازٍ لنظام “CUDA” من “إنفيديا”، تحت اسم “CANN”، مما يوفر للمطورين بيئة متكاملة لبناء وتدريب النماذج.
نموذج صيني للذكاء الاصطناعي
تعتمد “هواوي” على نموذج “Pangu” للذكاء الاصطناعي التوليدي، الذي صُمم خصيصًا للتطبيقات الصناعية والحكومية، وليس للاستخدامات العامة مثل GPT-4 من “OpenAI”.
ووفقًا للشركة، فقد تم تطبيق هذا النموذج في أكثر من 20 قطاعًا، من بينها:
- المناجم.
- القطاع الطبي.
- النقل.
- الجهات التنظيمية.
وفي مشهد يجسد هذا التحول، تمكنت “هواوي” في مايو الماضي من نشر أكثر من 100 شاحنة كهربائية ذاتية القيادة في مناجم بالصين، باستخدام شبكات الجيل الخامس وتقنيات الذكاء الاصطناعي الخاصة بها.
ولا تنوي “هواوي” الاقتصار على السوق الصينية، فقد أعلنت عن فتح المصدر لنماذج “Pangu”، كجزء من استراتيجية تهدف إلى توسيع نفوذها في أسواق مبادرة “الحزام والطريق”، وخاصة في آسيا الوسطى وأفريقيا وأميركا اللاتينية.
ويرى المحللون أن الشركة قد تتمكن، خلال العقد القادم، من تكرار النجاح الذي حققته في قطاع الاتصالات، وبناء قاعدة قوية في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي على مستوى العالم.