نقل رمسيس الثاني من معبد ميت رهينة إلى المتحف المصري الكبير بعد 30 قرنًا من العظمة

لا صوت يعلو فوق احتفال العالم بالحدث الأبرز في القرن الحالي، حيث يترقب الملايين في مصر ودول العالم حفل افتتاح المصري الكبير، بحضور عدد من الرؤساء والملوك والأفواج السياحية.

يظل نقل تمثال رمسيس الثاني من معبد ميت رهينة إلى المتحف المصري الكبير، واحدة من القصص التي تسلط الضوء على عظمة أقدم الحضارات، وفي السطور التالية سنستعرض مراحل نقل التمثال حتى محطته النهائية.

اكتشاف تمثال رمسيس الثاني

يعود اكتشاف تمثال رمسيس الثاني إلى عالم الآثار الإيطالي جيوفاني باتيستا كافليليا، وذلك في عام 1820، بمدينة منف القديمة بقرية ميت رهينة، التابعة لمركز البدرشين، على بُعد حوالي 25 كيلومتراً من مدينة الجيزة، حيث وُجد التمثال المصنوع من الجرانيت الوردي، والذي يزن نحو 60 طناً، مكسوراً إلى ستة أجزاء، وفاقداً لقمته وأسفل التاج والقدمين، مع وجود كسر في الساق اليمنى.

كما عثر العالم الإيطالي في الموقع نفسه، على تمثال آخر لرمسيس الثاني راقداً على ظهره، منحوتاً من الحجر الجيري، والذي كان مكسوراً في القدم، مما عرّضه لعدم القدرة على الوقوف، وقد حاول محمد علي باشا إهداء التمثال إلى بريطانيا، إلا أن المملكة رفضت بسبب صعوبة نقله لضخامته، فتم إنشاء مبنى خاص لحمايته.

نقل رمسيس الثاني من ميت رهينة إلى ميدان باب الحديد

وفقاً لعلماء الآثار، ظل تمثال رمسيس الثاني راقداً في أطلال منف لأكثر من 130 عاماً، حتى أمر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في عام 1954 بنقله إلى القاهرة احتفالاً بالذكرى الثانية لثورة يوليو.

وشهد عام 1955 تنفيذ قرار الرئيس الراحل بنقل تمثال رمسيس الثاني إلى ميدان باب الحديد في القاهرة، الذي تم تغيير اسمه إلى “ميدان رمسيس”.

وفي عام 1994، تعالت بعض الأصوات للمطالبة بنقل التمثال من ميدان رمسيس، بعد تعرضه المستمر للتلوث البيئي والاهتزازات الناتجة عن حركة السيارات والمترو، حيث طُرحت مقترحات لنقله إلى أماكن أخرى مثل ميدان الرماية أو أمام دار الأوبرا، إلا أن تلك المواقع لم تكن توفر الحماية الكافية، ليقع الاختيار في النهاية على موقع المتحف المصري الكبير بهضبة الأهرام.

فك ونقل تمثال رمسيس الثاني

في عام 2004، كشفت هيئة الآثار عن مناقصة مشروع فك ونقل تمثال رمسيس الثاني من ميدان رمسيس إلى موقعه المؤقت بجوار المتحف المصري الكبير، وفازت شركة المقاولون العرب بتنفيذ العملية، وجاء ذلك لحماية التمثال من التلوث والاهتزازات التي كانت تهدد سلامته الإنشائية.

شهد صباح 25 أغسطس عام 2006 بداية عملية النقل التاريخية باستخدام أحدث الوسائل الهندسية، حيث تم تجهيز التمثال بغطاء حديدي قوي ورغوة مطاطية لحمايته، ثم ثُبت على جسر معلق يسمح له بالحركة الحرّة أثناء الصعود والنزول عبر كوبري المنيب والطرق المنحدرة.

استخدمت القافلة قاطرتين احتياطيتين وعدة أوناش خاصة للطوارئ، واستغرقت الرحلة 11 ساعة كاملة، قُطع خلالها مسافة 30 كيلومتراً بسرعة متوسطة بلغت 5 كيلومترات في الساعة.

أضخم عملية نقل أثر في العصر الحديث

تزينت مصر بمشهد تاريخي استثنائي استعداداً لأهم عمليات النقل الأثري في العالم، حيث تم نقل تمثال الملك رمسيس الثاني على عرشه في البهو العظيم بالمتحف المصري الكبير، وذلك بعد رحلة دقيقة ومليئة بالتحديات نفذتها شركة المقاولون العرب باستخدام أحدث التقنيات لضمان سلامة هذا الأثر الفريد الذي يجسد عبقرية الحضارة المصرية القديمة.

نظام هندسي فريد لنقل التمثال إلى البهو العظيم

تولت شركة المقاولون العرب في عام 2018 مهمة نقل التمثال من موقعه المؤقت إلى داخل البهو الرئيسي بالمتحف المصري الكبير، ليحتاج ذلك إلى إعداد فريق عمل متكامل من مختلف التخصصات الهندسية والفنية.

درس الفريق الحالة الراهنة للتمثال بدقة، وتم تغليفه لحمايته أثناء النقل، إلى جانب مراجعة وصيانة النظام الحامل له وإجراء اختبارات فنية متقدمة قبل بدء عملية الرفع والتحريك.

نظامًا هندسيًا متطورًا لنقل رمسيس الثاني

استخدم نظاماً هندسياً متطوراً يعتمد على أربع روافع هيدروليكية تعمل في اتجاهين وبشكل متزامن، لنقل تمثال رمسيس العملاق الذي يزيد ارتفاعه عن 9 أمتار ويزن نحو 83 طناً، وتُعد هذه التقنية الأولى من نوعها في مصر، حيث تتيح رفع التمثال بتوازن كامل عبر نظام تحكم إلكتروني دقيق يمنع أي انحراف أو اهتزاز أثناء التحريك.

تم تخصيص المسار المخصص لنقل التمثال لمسافة تقارب 400 متر داخل المتحف، حيث أجرت شركة المقاولون العرب أعمال رفع مساحي دقيقة، وحفريات بعمق 6 أمتار على طول المسار لضمان ثبات الأرض.

صُمم الطريق ليتحمل الوزن الكبير للتمثال ونظام النقل الذي يضم 128 عجلة موزعة على 16 محوراً لتوزيع الحمل بشكل آمن، كما أجريت اختبارات تحميل شاملة قبل بدء عملية التحريك الفعلية.

بلغ وزن التمثال وحده المصنوع من الجرانيت الوردي نحو 83 طناً، بارتفاع يزيد عن 11 متراً، بينما وصل الوزن الكلي مع القاعدة إلى 123 طناً.

قامت شركة المقاولون العرب بإجراء جسات عميقة بعمق 25 متراً لتصميم القاعدة النهائية، ثم صب القواعد الخرسانية وتثبيت الركائز بدقة لضمان ثبات التمثال في وضعه النهائي داخل البهو العظيم.

اقرأ أيضاً: رحلة نقل تمثال رمسيس من الميدان إلى المتحف المصري الكبير.

ابتسامة رمسيس تشرق من جديد.. المتحف المصري الكبير يفتح أبوابه للعالم.