في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
إن ميل الإنسان لمراقبة الآخرين والاهتمام بأخبارهم ليس وليد اللحظة، سواء كان ذلك من خلال التطفل على المحادثات، تتبع الأحوال، مشاهدة تلفزيون الواقع، أو متابعة آخر التدوينات على منصات مثل إنستغرام، فالأمر أبعد من ذلك، وأكثر رسوخًا في طبيعتنا
وعلى الرغم من أن هذا السلوك قد يُنظر إليه على أنه نوع من التدخل في شؤون الغير، إلا أن دراسة حديثة في الولايات المتحدة كشفت أن هذا الدافع قد يكون في الواقع آلية للبقاء الاجتماعي تعود إلى ملايين السنين، وهو ما يثير الدهشة ويستدعي التفكير
الفضول الاجتماعي
بهدف استكشاف جذور الفضول الاجتماعي لدى الإنسان الأول، أجرت الباحثة لورا لويس، المتخصصة في علم النفس التنموي والمقارن في جامعة كاليفورنيا سانتا باربرا، وفريقها، دراسة شملت أطفالًا تتراوح أعمارهم بين أربع وست سنوات، بالإضافة إلى مجموعة من قرود الشمبانزي البالغة، في محاولة لفهم أعمق لهذا السلوك
في سياق التجربة، عُرض على الأطفال والقرود مقاطع فيديو تظهر فيها أفراد من نفس النوع، إما بمفردهم أو في مجموعات، وهم يشاركون في تفاعلات اجتماعية متنوعة، وقد أظهرت النتائج، التي نُشرت في دورية Proceedings of the Royal Society، أن الأطفال والقرود أبدوا اهتمامًا أكبر بمشاهدة أقرانهم في خضم التفاعلات الاجتماعية مقارنة بمشاهدتهم بشكل فردي، حتى لو كانت مشاهدة المقاطع الفردية ستؤدي إلى مكافأة، مما يؤكد أهمية التفاعل الاجتماعي، وأثره العميق
قبل نحو 25 مليون سنة
أكدت لويس أن “نتائج هذه التجربة أظهرت الأهمية الكبيرة لاكتساب المعلومات الاجتماعية لكل من الإنسان والرئيسيات”، وأوضحت في تصريحات لموقع “ساينتفيك أمريكان” أن الدراسة كشفت أن المعلومات الاجتماعية كانت ذات قيمة حتى لأسلافنا الذين عاشوا قبل حوالي 25 مليون سنة، وأن جمع المعلومات عن الأشخاص المحيطين بنا كان سلوكًا تكيفيًا للرئيسيات على مر العصور، مما يعكس جذورًا عميقة لهذا السلوك
بالإضافة إلى ذلك، لاحظ الباحثون نمطًا سلوكيًا آخر لدى الأطفال لم يظهر لدى القرود، فمع تقدم الأطفال في العمر، أظهر الأولاد اهتمامًا متزايدًا بمشاهدة الصراعات الاجتماعية مثل الشجارات أو التنافس على الألعاب، أو حتى عندما يبكي طفل ويصرخ آخر، بينما أبدت الفتيات اهتمامًا أكبر بالتفاعلات الاجتماعية الإيجابية مثل اللعب والمرح أو تصفيف الشعر، ويفترض الباحثون أن هذه النتائج تسلط الضوء على الاختلافات في التنشئة الاجتماعية بين الجنسين والضغوط المرتبطة بالنمو، خاصة لدى البشر
القرود أيضاً
توصلت الدراسة إلى أن الأطفال وقرود الشمبانزي على حد سواء يجدون قيمة في الحصول على معلومات اجتماعية عن الآخرين، وأنهم يستخدمون قدراتهم المعرفية لتهيئة الظروف التي تمكنهم من جمع أكبر قدر ممكن من هذه المعلومات وتصنيفها حسب أهميتها، كما أكدت أن هذه القدرات والمهارات يمكن اكتسابها من خلال التكيف، وأنها تساعد في تطوير المهارات الاجتماعية، تعلم آليات اتخاذ القرارات، وتكوين الروابط الاجتماعية، وهذا يسلط الضوء على أهمية هذه السلوكيات في التطور الاجتماعي
وأكد الباحثون أيضًا أن الفضول الاجتماعي له جذور تطورية وتنموية عميقة لدى القردة العليا، وأنه ربما ساهم في تطور علاقات التعاون بين البشر في المجتمعات ذات الخصائص الاجتماعية المتطورة، مما يعزز فكرة أن هذا الفضول لعب دورًا حاسمًا في تشكيل مجتمعاتنا
وفي سياق متصل، ركزت دراسة حديثة أخرى نُشرت في دورية Animal Cognition، المتخصصة في أبحاث القدرات العقلية للحيوان والإنسان، على سلوكيات مراقبة الأقران لدى قردة المكاك، وقد أظهرت الدراسة أن ذكور وإناث قردة المكاك يبدون اهتمامًا أكبر بمشاهدة التفاعلات التي تتضمن عنفًا مقارنة بالتفاعلات السلمية، وأنهم يركزون بشكل خاص على مقاطع الفيديو التي تظهر فيها قردة معروفة لديهم، مما يوضح أهمية العلاقات الاجتماعية في سلوكهم
وذكرت رئيسة فريق الدراسة، ليسبيث شتيرك، المتخصصة في علم الرئيسيات بجامعة أوتريخت الهولندية، أن هذا السلوك الأخير يشبه اهتمام البشر بالحياة الاجتماعية للأشخاص الذين يعرفونهم، سواء كانوا أفرادًا من العائلة، أصدقاء، أو شخصيات عامة مثل نجوم السينما، وأضافت أن الاهتمام بالتفاعلات الاجتماعية العنيفة يعكس على الأرجح الاهتمام بمتابعة التغيرات في توازن القوى والهيمنة في البيئة الاجتماعية للفرد، والتعرف على أي مؤشرات تدل على تهديدات محتملة، مما يعزز فكرة أن هذا السلوك له جذور تطورية مرتبطة بالبقاء
من جانبه، أوضح الباحث جيليان فورستر، المتخصص في علم الإدراك المقارن بجامعة ساسكس في إنجلترا، والذي لم يشارك في أي من الدراستين، أن الاهتمام أو الفضول الاجتماعي يلعب دورًا هامًا في الحفاظ على السمعة الجيدة للفرد، وهذا يسلط الضوء على جانب آخر من جوانب أهمية هذا السلوك
كما أشار إلى أنه بالنسبة للإنسان البدائي أو الثدييات الرئيسية الأخرى، قد يؤدي تدهور السمعة إلى الحرمان من فرص الحصول على الغذاء أو التزاوج، وقد يتسبب في نشوب مواجهات جسدية أو صراعات، وفي الحالات القصوى قد يصل الأمر إلى النبذ الاجتماعي، مما يؤكد المخاطر المحتملة المرتبطة بالسمعة السيئة
وفي ظل هذه المخاطر، تطورت الرئيسيات لتراقب عن كثب أفراد المجموعة التي تعيش معها، وأكد فورستر لموقع “ساينتفيك أمريكان” أن “الإنسان المعاصر احتفظ بهذا الحرص على متابعة التفاعلات الاجتماعية للآخرين باعتباره نوعًا من التكيف التطوري”، بمعنى أن التطفل على شؤون الآخرين قد يكون له فوائد في نهاية المطاف، مما يثير تساؤلات حول طبيعة هذا السلوك وأبعاده المختلفة