رائحة الفم الكريهة، موضوع يشوبه الكثير من المفاهيم المغلوطة، لكن هناك أيضاً حقائق علمية تساعد في التخلص منها، كما تشير الصحفية العلمية كلوديا هاموند
منذ سنوات، عندما بدأت مسيرتي في الإذاعة، كلفت بزيارة عيادة متخصصة في علاج رائحة الفم الكريهة، هناك خضعت لفحص طبي وأجريت مقابلة مع الطبيب المختص
في طريقي إلى العيادة، تساءلت عما إذا كان الأمر مجرد خدعة، أو أن زملائي يخفون حقيقة رائحة فمي ويترددون في إخباري، لحسن الحظ، تجاوزت الأمر بسلام، لكن رائحة الفم الكريهة مشكلة شائعة، وتحيط بها خرافات ومفاهيم خاطئة لا تستند إلى الحقائق
خرافة: التنفس في كف اليد يكشف رائحة فمك الكريهة
يكمن الخلل في هذه الطريقة في أن الهواء المنبعث في اليدين لا يمثل تماماً الهواء الخارج من الجزء الخلفي للفم أثناء الكلام، بالتالي، قد لا تشم الغازات المتولدة في مؤخرة اللسان، وهي المصدر الرئيسي للروائح الكريهة
يعتمد الأطباء على ثلاث وسائل لاختبار رائحة الفم الكريهة، إما عن طريق شم نفَس المريض على بعد خمسة سنتيمترات، أو فحص محتوى ملعقة تم تمريرها على مؤخرة اللسان، أو استخدام خيط تنظيف أسنان غير مغلف بالشمع بين الأسنان الخلفية، أو تحليل وعاء يحتوي على لعاب المريض بعد تركه في درجة حرارة 37 مئوية لمدة خمس دقائق
توجد أيضاً أجهزة استشعار صغيرة قادرة على رصد غازات معينة تنبعث من الفم، لكن عيبها أنها تتعرف على غازات محددة فقط، وليس كل الغازات المحتملة
أخيراً، هناك تقنية “فصل الغازات بالألوان”، حيث يتم تحليل خليط الغازات المعقد وقياس كمية الكبريت المنبعثة من الفم، لكن هذه الطريقة تتطلب جهازاً خاصاً غير متوفر في معظم العيادات
المثير للاهتمام أن ليس كل من يعتقد أن رائحة فمه كريهة يعاني فعلاً من ذلك، فقد يسيئون تفسير ابتعاد الآخرين عنهم أو التفافهم بعيداً، وهذا لا يعكس بالضرورة رد فعل حقيقياً لرائحة فم كريهة
تشير إحدى الدراسات إلى أن 27% فقط من الأشخاص يظهرون رد فعل كهذا في مثل هذه المواقف
خرافة: رائحة الفم الكريهة دليل على مرض خطير
غالبية روائح الفم الكريهة تنبع من مركبات الكبريت المتطايرة، وهي غازات ذات رائحة نفاذة، كبريتيد الهيدروجين، برائحته المميزة التي تذكر بالبيض الفاسد، هو أحد هذه الغازات، لكن الأسوأ هو مادة الإيثيل، التي تشبه رائحة الملفوف المتعفن
وهو المركب نفسه الذي يجعل بول البعض حاد الرائحة بعد تناول الهليون، تتكون هذه المركبات عندما يتفاعل الطعام مع البكتيريا الموجودة في نتوءات مؤخرة اللسان
الخبر الجيد هو أن هذه الحالة قد تكون مؤقتة، نتيجة لتناول الثوم أو البصل النيء، أو شرب القهوة، أو التدخين
في ثلاثة أرباع الحالات، ترتبط رائحة الفم الكريهة بمشاكل في الأسنان واللثة، قد يعاني الشخص من تورم اللثة، أو التهاب الحلق، أو ظهور بثور على سطح اللسان
في حالات نادرة، تكون رائحة الفم الكريهة ناتجة عن مشكلة في جزء آخر من الجسم، مثل الأذن، أو الأنف، أو الحلق، أو الكليتين، أو الرئتين، أو الأمعاء، لكن في غياب ذلك، من غير المألوف أن تكون رائحة الفم الكريهة العرض الوحيد لهذه الأمراض
خرافة: غسول الفم حل دائم لرائحة الفم الكريهة
النعناع والقرنفل يقدمان مساعدة مؤقتة، حيث يخفيان الرائحة الكريهة لفترة قصيرة، العديد من أنواع غسول الفم تحتوي أيضاً على مواد مطهرة، لكن الهدف الأساسي هو القضاء على البكتيريا المسببة للمركبات ذات الرائحة الكريهة
قد يكون هذا هو الحل في بعض الأحيان، لكن هناك جدل حول احتواء غسول الفم على الكحول، مما قد يزيد من جفاف الفم، الفم الجاف بدوره يمكن أن يزيد من حدة الرائحة الكريهة
شرب كميات كافية من الماء يومياً يساعد على تنظيف الفم من بقايا الطعام ويمنع جفافه
تعمل مؤسسة كوكراين البريطانية على جمع معلومات علمية حول مكافحة رائحة الفم الكريهة، في بحثهم حول غسول الفم عام 2008، وجدوا أن أفضل خمسة أنواع تحتوي على مواد مضادة للبكتيريا، مثل الكلورهيكسيدين، وكلوريد السيتيل بيريدينيوم، وثاني أكسيد الكلور، أو الزنك، هذه المواد يمكن أن تقلل من مستوى الرائحة الكريهة إلى حد ما
مع ذلك، دعا الباحثون إلى إجراء المزيد من التجارب، من المأمول أن يقدم البحث المستقبلي معلومات أكثر تحديداً حول أنواع غسول الفم الموصى بها
بديل آخر هو استخدام منظف خاص للسان، هذه الطريقة أيضاً قيد الدراسة في أحدث بحث لمؤسسة كوكراين
ذكر بحثهم الأخير وجود تجربتين صغيرتين تختبران فعالية هذه الطريقة، أظهرت التجارب إمكانية تحقيق النجاح، لكن التأثير كان قصير الأمد
أكدت التجارب أيضاً على المخاطر المحتملة لإتلاف اللسان بالضغط المفرط، وأوصى البحث باستخدام فرشاة أسنان ناعمة لتنظيف اللسان
يحتوي فم كل شخص على مجموعة متنوعة من الميكروبات، تتراوح بين 100 و 200 نوع
تماشياً مع فهمنا للدور الإيجابي الذي تلعبه الميكروبات البشرية، وملايين البكتيريا في أجسامنا، بدلاً من القضاء على البكتيريا في الفم بشكل كامل، يحاول العلماء إيجاد طريقة للحفاظ على البكتيريا النافعة والتخلص من الضارة
يمكن تحقيق ذلك عن طريق استهداف أنواع معينة من البكتيريا والقضاء عليها، أو استخدام مواد تحفز وجود بكتيريا معينة في الفم
اكتملت المرحلتان الأولى والثانية من التجارب الخاصة بقتل البكتيريا المسؤولة عن تسوس الأسنان، تم تجربة مادة جديدة كمعجون يوضع للمريض في العيادة أولاً، وفي المرحلة الثانية، تم اختباره كدهان داخل العيادة أيضاً، لكن هذه المرة أخذ المرضى معهم إلى المنزل شرائط مشبعة بهذه المادة، لاستخدامها كمتابعة للعلاج
هذا النهج يفتح الباب أمام استخدام طرق مماثلة في المستقبل للقضاء على البكتيريا المسببة لرائحة الفم الكريهة
لا يزال الأمر في مراحله الأولى، لذا فإن النصيحة الطبية هي تنظيف الأسنان بعناية بالفرشاة والخيط، وشرب كمية كافية من الماء، والامتناع عن التدخين، وتناول طعام متوازن، وزيارة طبيب الأسنان لمعرفة سبب رائحة الفم، خوفاً من وجود علامات لمشاكل في اللثة