في تحول استراتيجي ملحوظ، حققت شركة شاومي الصينية العملاقة تقدمًا كبيرًا في تصنيفها ضمن مؤشرات الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية (ESG)، وفقًا لتقارير صادرة عن وكالات تصنيف عالمية مرموقة, هذا التطور يثير تساؤلات مهمة في الأوساط الاقتصادية والتقنية حول الأسباب الكامنة وراء هذا التوجه، فهل هو مجرد قرار اقتصادي يهدف إلى جذب الاستثمارات، أم أنه يمثل وسيلة لمواجهة التدقيق المتزايد الذي تتعرض له الشركات الصينية في الأسواق الغربية,
قفزة نوعية في معايير الاستدامة والشفافية
أظهرت أحدث التقارير تحسنًا ملحوظًا في أداء شاومي عبر المحاور الثلاثة لتصنيف ESG, على الصعيد البيئي، استثمرت الشركة في زيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة في منشآتها ومراكز بياناتها، كما تبنت استخدام مواد أكثر استدامة وقابلية لإعادة التدوير في تصنيع أجهزتها, وعلى الصعيد الاجتماعي، وسعت الشركة من برامج التدقيق الخارجي لسلسلة التوريد الخاصة بها لضمان معايير عمل لائقة، وعززت من سياسات حماية خصوصية بيانات المستخدمين, أما في جانب الحوكمة، فقد زادت من شفافية تقاريرها المالية وعززت من استقلالية مجلس إدارتها، وهي خطوات طالما طالب بها المستثمرون الدوليون,
دوافع اقتصادية لجذب الاستثمارات العالمية
يرى محللون ماليون أن الدافع الاقتصادي هو المحرك الرئيسي وراء هذه الخطوة، ففي عالم اليوم، لم تعد الاستثمارات تقتصر على تقييم الأداء المالي فقط، بل أصبحت صناديق الاستثمار العالمية الكبرى، بما في ذلك صناديق التقاعد والثروة السيادية، تشترط تحقيق الشركات لمعايير ESG محددة قبل ضخ استثماراتها, من خلال تحسين تصنيفها، تجعل شاومي أسهمها أكثر جاذبية لهذه الفئة من المستثمرين الذين يبحثون عن استدامة طويلة الأجل، مما يضمن لها تدفقات رأسمالية مستقرة ويعزز من سمعتها كعلامة تجارية مسؤولة أمام المستهلكين، خاصة في الأسواق الأوروبية التي تولي أهمية كبرى للاستدامة,
ورقة ضغط سياسية في مواجهة التدقيق الغربي
على الجانب الآخر، لا يمكن إغفال البعد الجيوسياسي لهذا التحرك، ففي ظل التوترات التجارية والتدقيق التنظيمي الذي تواجهه شركات التكنولوجيا الصينية في الولايات المتحدة وأوروبا بشأن مسائل مثل أمن البيانات وممارسات العمل، يأتي الحصول على تصنيف ESG مرتفع من وكالة تصنيف دولية محايدة بمثابة "شهادة حسن سير وسلوك" عالمية, يمكن لشاومي استخدام هذا التصنيف كأداة استراتيجية لدحض الانتقادات وإثبات التزامها بالمعايير الدولية للشفافية والأخلاق، مما يمنحها وسيلة قوية في المفاوضات التجارية ويساعدها على بناء الثقة اللازمة لتأمين وصولها إلى الأسواق العالمية وتجنب العقوبات أو القيود المحتملة,
في المحصلة، يبدو أن قرار شاومي بتبني معايير ESG بقوة هو استراتيجية ذات أهداف مزدوجة، تخدم ضرورتها الاقتصادية لجذب رأس المال، وفي الوقت نفسه، تلبي حاجتها السياسية لبناء الثقة والمصداقية في بيئة دولية تزداد تعقيدًا وتحديًا,