أظهرت دراسة حديثة تجمع بين تكنولوجيا مراقبة الموجات الدماغية وخوارزميات التعلم الآلي أن أنواعًا محددة من الموسيقى قد تخفف بشكل ملحوظ من أعراض دوار الحركة، بل وتخفضها إلى النصف في بعض الحالات، مما يفتح آفاقًا جديدة لتجارب سفر أكثر راحة ومتعة، هذا الاكتشاف يمثل بارقة أمل للمسافرين الذين يعانون من هذه المشكلة الشائعة، ويقدم حلاً بسيطًا وفعالًا للتغلب عليها
الفص القذالي
استنادًا إلى تقرير نشره موقع “New Atlas” نقلًا عن دورية “Frontiers in Human Neuroscience”، قام باحثون من جامعة ساوث ويست في الصين بتجنيد 30 متطوعًا يعانون من درجات متفاوتة من دوار الحركة لتجربة محاكاة القيادة، خلال التجربة، ارتدى المشاركون قبعات تخطيط كهربية الدماغ “EEG” لرصد وتسجيل النشاط الكهربائي في أدمغتهم، ركز الباحثون بشكل خاص على الفص القذالي، وهو الجزء المسؤول عن معالجة المعلومات البصرية، والذي غالبًا ما يلعب دورًا حاسمًا في ظهور أعراض دوار الحركة
4 أنواع من الموسيقى
قام الباحثون بالتركيز على أربعة أنواع موسيقية مختلفة، وهي الموسيقى المبهجة، والموسيقى الهادئة، والموسيقى العاطفية (المؤثرة)، والموسيقى الحزينة، تم تقسيم المشاركين إلى ست مجموعات منفصلة، تتألف كل منها من خمسة أفراد، استمعت أربع مجموعات من بينها إلى أنواع الموسيقى المحددة، في حين عملت المجموعة الخامسة كمجموعة ضابطة “للتعافي الطبيعي”، أما المجموعة السادسة، فقد تم إيقاف أجهزة المحاكاة الخاصة بها بمجرد الإبلاغ عن ظهور أعراض خفيفة من دوار الحركة، شكلت هذه المجموعة الأخيرة نقطة مرجعية لمقارنة التغيرات في نشاط الدماغ عند ظهور دوار الحركة في المجموعات الأربع الأخرى
تقييم كمي
أشار الباحثون إلى أن الدراسات السابقة قد أظهرت بالفعل قدرة الموسيقى على التخفيف من المشاعر السلبية مثل التوتر والقلق، إلا أن تأثيرها المباشر على دوار الحركة لا يزال غير واضح وغير مفهوم، وأكدوا على أهمية إجراء تقييم كمي دقيق لتحديد الفروقات في تأثير أنواع الموسيقى المختلفة على تخفيف أعراض دوار الحركة
بدأ المشاركون التجربة بالجلوس لبضع دقائق في جهاز المحاكاة دون حركة لتسجيل إشارات تخطيط كهربية الدماغ الأساسية، بعد ذلك، قاموا بأداء مهمة القيادة وأبلغوا عن مستوى الدوار الذي يشعرون به، وعند الانتهاء، استمع كل مشارك إلى مقطع موسيقي محدد لمدة 60 ثانية، ثم أبلغ عن شعوره بالدوار مرة أخرى، قام فريق الباحثين بتحليل إشارات تخطيط كهربية الدماغ، ودرسوا التغيرات التي طرأت عليها على ترددات مختلفة، وتمت معالجة هذه الإشارات باستخدام نماذج التعلم الآلي، التي تمكنت من تحديد إصابة المشاركين بدوار الحركة بدقة عالية وفي الوقت الفعلي
مع ظهور دوار الحركة
اكتشف الباحثون أن نشاط الدماغ في الفص القذالي يتغير بشكل ملحوظ عند ظهور أعراض دوار الحركة، حيث تبين وجود موجات أقل تعقيدًا في هذه المنطقة عندما بدأ المشاركون يشعرون بوعكة متوسطة، ثم، كلما أبلغوا عن شعورهم بتحسن أثناء فترة التعافي، زادت إشاراتهم نشاطًا وتنوعًا، ومع ذلك، فقد لوحظ اختلاف في معدل التعافي بين المجموعات المختلفة
الهادئة والمبهجة
أظهرت النتائج أن الموسيقى الهادئة والموسيقى المبهجة حققتا أكبر انخفاض في الشعور بالغثيان، حيث بلغ متوسط الانخفاض 56,7% و57,3% على التوالي، قدمت الموسيقى العاطفية (المثيرة) تخفيفًا معتدلاً بنسبة 48,3%، في حين كان أداء الموسيقى الحزينة أقل فعالية حتى من عدم وجود موسيقى على الإطلاق، حيث قللت الأعراض بنسبة 40% فقط، وهي نسبة أقل من المجموعة الضابطة التي بلغت 43,3%
استراتيجية الموسيقى
أوضح الباحث كييزونغ يوي من جامعة “ساوث ويست” الصينية أن “دوار الحركة يؤثر بشكل كبير على تجربة السفر لدى العديد من الأفراد، وغالبًا ما تحمل التدخلات الدوائية الحالية آثارًا جانبية غير مرغوب فيها مثل النعاس والتعب”، وأضاف أن “الموسيقى تمثل استراتيجية تدخل غير جراحي ومنخفض التكلفة وشخصي، مما يجعلها خيارًا جذابًا لإدارة هذه الحالة”
يرجح الباحثون أن الموسيقى الهادئة تمتلك تأثيرًا مريحًا يساعد على تخفيف التوتر والقلق، وهما عاملان رئيسيان يزيدان من حدة أعراض دوار الحركة، أما الموسيقى المبهجة، فقد تساهم في تشتيت الانتباه وتنشيط أنظمة المكافأة في الدماغ، مما يقلل من الشعور بالضيق، في المقابل، قد تؤدي الموسيقى الحزينة إلى تأثير معاكس، حيث تعمل على تضخيم المشاعر السلبية وزيادة الشعور بعدم الراحة، مما يزيد من حدة الأعراض
تخفيف التوتر العاطفي
أظهرت دراسة سابقة، أجريت في عام 2022، باستخدام تقنية تخطيط أمواج الدماغ، أن دوار الحركة يرتبط بزيادة قوة إيقاعات ألفا وثيتا في المنطقتين الجدارية والقذالية من الدماغ، مما يعكس حالة من الصراع الحسي والإفراط في التحفيز، وبعبارة أخرى، يمكن للموسيقى الهادئة والمبهجة أن تخفف من هذا التأثير من خلال تقليل التوتر العاطفي، وإعادة توجيه الانتباه، وتهدئة الاستجابات الفسيولوجية المرتبطة بدوار الحركة
طريقة واعدة
تشير نتائج الدراسة إلى أن الموسيقى تمثل طريقة واعدة وغير دوائية لمكافحة دوار الحركة، ويمكن أن تصبح الموسيقى المختارة بعناية، وخاصة الأنواع التي تعزز المزاج الإيجابي أو تمنح تأثيرًا مهدئًا، وسيلة بسيطة وفعالة لتخفيف الأعراض المزعجة، بناءً على استنتاجات الباحثين، يُنصح الأشخاص الذين يعانون من دوار الحركة أثناء السفر بالاستماع إلى موسيقى مبهجة أو هادئة لتخفيف الأعراض وتقليل الانزعاج، وأكد الباحث يوي أن “الأطر النظرية الأساسية لنشأة دوار الحركة تنطبق بشكل عام على الغثيان الناتج عن مختلف وسائل النقل، لذلك، من المرجح أن تمتد نتائج هذه الدراسة لتشمل دوار الحركة الذي يعاني منه الأشخاص أثناء السفر جوًا أو بحرًا”