أمريكا اللاتينية تتجه نحو مسار مستقل في عالم الذكاء الاصطناعي، متجاوزة النماذج العالمية وعلى رأسها شات جي بي تي، لرغبتها في حل مشاكلها بنفسها، هذه قصة طموح يتجسد على أرض الواقع
البداية كانت مع خوان بالما، مصمم الجرافيك التشيلي، الذي طلب من شات جي بي تي إرشاده إلى أقرب محطة مترو في سانتياغو، لكن الإجابة كانت مضللة تمامًا، وأخذته في الاتجاه الخاطئ
هذا الموقف البسيط كشف عن مشكلة أعمق، فالنماذج العالمية قاصرة عن فهم التفاصيل المحلية الدقيقة، سواء اللغوية أو الثقافية، وذلك وفقًا لتقرير نشره موقع “restofworld” واطلعت عليه “العربية Business”
Latam-GPT: مشروع لاتيني بامتياز
استجابة لهذه الثغرة، أطلقت أكثر من 30 مؤسسة لاتينية مشروع “Latam-GPT”، وهو نموذج ذكاء اصطناعي مفتوح المصدر قيد التطوير منذ عامين، ومن المنتظر إطلاقه للجمهور في سبتمبر القادم
يؤكد هيكتور برافو، رئيس قسم الابتكار في شركة سوندا التشيلية: “نحن نصنع ذكاءً اصطناعيًا من أمريكا اللاتينية، ولخدمة أمريكا اللاتينية”
ويضيف أن المشروع لا يهدف فقط إلى الدقة والاستجابة السريعة، بل يركز أيضًا على التمثيل الثقافي، والتأثير الاجتماعي الإيجابي، وتوسيع نطاق الوصول إلى الذكاء الاصطناعي
لغات ولهجات منسية تعود للحياة
يتميز Latam-GPT بدعمه للغات السكان الأصليين، مثل الناواتل والكيتشوا والمابودونغون، بالإضافة إلى اللهجات المحلية النادرة في منطقة الكاريبي
إنه نهج يتماشى مع ما يحدث في آسيا مع مشروع Sea-Lion، وفي أفريقيا مع UlizaLlama، وفي الهند مع BharatGPT
على الرغم من أن دول أمريكا اللاتينية كانت متأخرة في تبني الذكاء الاصطناعي، إلا أن تشيلي برزت كقوة رائدة في هذا المضمار
منذ تأسيس المركز الوطني للذكاء الاصطناعي في عام 2021، تم بناء تحالفات استراتيجية جمعت أكثر من 50 مليار “معلمة تدريبية”، وهو ما يعادل قدرات شات جي بي تي 3,5
قوة محلية في وجه عمالقة التكنولوجيا
بالرغم من أن نماذج مثل GPT وLlama تدعم اللغة الإسبانية، إلا أنها تعتمد بشكل كبير على نصوص مترجمة أو موجهة للثقافة الإسبانية، مما يحد من فهمها للسياقات اللاتينية
في المقابل، يعتمد Latam-GPT على بيانات محلية من المدارس والجامعات والشركات والمكتبات، مما يمنحه قدرة أكبر على التفاعل بواقعية
أظهرت بيانات “DemandSage” أن أمريكا اللاتينية، وخاصة البرازيل، أصبحت من بين أكبر مستخدمي أدوات الذكاء الاصطناعي، مما يزيد من الحاجة إلى نموذج يراعي الخصوصية الإقليمية
تحديات تقنية وبيئية وقانونية
الطريق لا يخلو من الصعاب، فالمشروع يحتاج إلى بنية تحتية ضخمة وخبرات متخصصة
كما أن استهلاك الطاقة والمياه يثير قلقًا في ظل معارضة مجتمعية لمراكز البيانات، وقد أعلن فريق Latam-GPT أنهم يستخدمون الطاقة الشمسية وبنية سحابية مرنة لتقليل الأثر البيئي
على الصعيد القانوني، تختلف قوانين خصوصية البيانات من دولة إلى أخرى، مما قد يؤدي إلى تعقيدات قانونية، خاصة مع الاستخدام الواسع النطاق للبيانات الشخصية
تمثيل الفئات المهمشة
يبقى التحدي الأكبر هو ضمان مشاركة المجتمعات الأصلية والمهاجرة والفئات المهمشة في تطوير النموذج
إذ أن غياب هذه الشريحة عن تصميم الذكاء الاصطناعي قد يعيد إنتاج التحيزات التاريخية
يرى المسؤولون أن Latam-GPT ليس مجرد مشروع تقني، بل هو دليل على قدرة أمريكا اللاتينية على دخول عالم الذكاء الاصطناعي بقوة