«صعود مفاجئ» فيتنام تستفيد من حرب الرقائق وتتعزز كبديل حيوي لواشنطن وبكين

«صعود مفاجئ» فيتنام تستفيد من حرب الرقائق وتتعزز كبديل حيوي لواشنطن وبكين

في قلب المشهد التجاري المتوتر بين الولايات المتحدة والصين، تظهر فيتنام كلاعب صاعد ومفاجئ في معركة أشباه الموصلات العالمية، لتصبح من أبرز المستفيدين من التغيرات الجيوسياسية والتكنولوجية الحديثة، وهذا التحول يضعها في مكانة استراتيجية جديدة.

مع تزايد القيود الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب على الصين، بدأت كبرى شركات التكنولوجيا في البحث عن بدائل آمنة وموثوقة، لضمان استمرار عملياتها وتجنب المخاطر المحتملة.

وسرعان ما برزت فيتنام كخيار مفضل، مما أدى إلى زيادة كبيرة في الطلب على مصانعها المتخصصة في إنتاج مكونات الرقائق ولوحات الدوائر الإلكترونية، وفقًا لتقرير نشره موقع “restofworld” واطلعت عليه “العربية Business”.

قفزة في الطلب واستثمارات متسارعة

من بين هذه الشركات، تميزت شركة فاب-9 بتسجيل زيادة قدرها 20% في الطلب على منتجاتها، وذلك بعد تهديد ترامب بفرض رسوم جمركية كبيرة على الواردات الصينية، مما يعكس الثقة المتزايدة في القدرات التصنيعية الفيتنامية.

وذكر رئيس الشركة بيرت أروكان أنهم “مشغولون للغاية بعقد مؤتمرات دولية وعرض منتجاتهم، التي باتت تثير دهشة العملاء في أوروبا وآسيا”، مما يؤكد على الجودة العالية والابتكار في المنتجات الفيتنامية.

وتتسابق الشركات الفيتنامية حاليًا لتوسيع مصانعها، بينما تعمل الحكومة على وضع استراتيجية وطنية لصناعة أشباه الموصلات، تشمل إنشاء أول مصنع محلي للتصنيع و100 شركة لتصميم الرقائق و10 مصانع للتغليف بحلول عام 2030، وهذا يعكس الطموح الكبير لفيتنام في هذا القطاع.

استثمار محلي وخبرة عائدة من الخارج

لم تكتفِ فيتنام بجذب الاستثمارات الأجنبية، بل شهدت أيضًا عودة مهندسيها الذين اكتسبوا خبراتهم في كبرى شركات التكنولوجيا العالمية مثل “TSMC” و”سامسونغ” و”سينوبسيس”، حيث قام بعضهم بتأسيس شركات متخصصة في تصميم وتغليف الرقائق داخل البلاد، مما يعزز من القدرات المحلية.

أقرأ كمان:  «بشرى سارة للموظفين».. المالية المغربية تكشف تفاصيل الزيادات المرتقبة في الأجور والمرتبات

ومن أبرز هذه المبادرات، مختبر تغليف أشباه الموصلات الذي تنفذه شركة VSAP Lab باستثمار يبلغ 72 مليون دولار في مدينة دا نانغ، بطاقة إنتاجية تصل إلى 10 ملايين منتج سنويًا، وهو دليل على التزام فيتنام بتطوير بنية تحتية قوية.

التحديات مستمرة

على الرغم من هذه التطورات الإيجابية، تحذر التجارب السابقة من المبالغة في التفاؤل، فماليزيا، على سبيل المثال، تستضيف منذ عقود مصانع تابعة لشركات رقائق عالمية، ولكنها لم تنجح حتى الآن في إنشاء مصنع تصنيع محلي بمستوى عالمي، مما يوضح صعوبة تحقيق الاكتفاء الذاتي.

ويرى المحللون أن تحقيق الاكتفاء الذاتي في صناعة الرقائق يتطلب استراتيجيات دقيقة، وإصلاحات هيكلية في النظام التعليمي، والبحث العلمي، وتمويل الشركات الناشئة، وكلها عناصر حاسمة للنجاح المستدام.

دعم حكومي وإصلاحات لجذب الاستثمارات

استجابة لهذه التحديات، بدأت فيتنام في تنفيذ إصلاحات واسعة تضع التكنولوجيا والقطاع الخاص في صميم استراتيجيتها الاقتصادية الجديدة، مما يشجع على الابتكار والنمو.

وفي يونيو الماضي، أعلنت البلاد عن أول منطقة تجارة حرة في مدينة دا نانغ الساحلية، التي أصبحت مركزًا لصناعات التكنولوجيا المتقدمة، وتضم حاليًا 23 شركة متخصصة في تصميم الرقائق، بعد أن كان العدد قد تراجع سابقًا إلى تسع شركات فقط، مما يدل على التعافي والنمو.

وتتوسع شركات محلية مثل “Vietnam Wafer” و”FPT” لتطوير البنية التحتية الخاصة بإنتاج المواد الخام عالية النقاء وتجميع واختبار الرقائق، في محاولة لإثبات أن فيتنام قادرة على التحول من مجرد مصنع تجميع إلى مركز تصنيع متكامل عالي التقنية، وهو هدف طموح تسعى البلاد لتحقيقه.

وعلق أروكان على التطور السريع في قطاع التكنولوجيا الفيتنامي قائلًا: “يشبه الأمر وادي السيليكون قبل 55 أو 60 عامًا، نحن في بداية التحول، لكنه واعد للغاية”، مما يعكس الإيمان القوي بمستقبل الصناعة في فيتنام.

أقرأ كمان:  «وظائف الأحلام تنتظرك» : الأردن تفتح أبوابها لفرص عمل واعدة برواتب تصل إلى 35 ألف جنيه مصري

وفي ظل استمرار الحرب التكنولوجية بين القوى الكبرى، يبدو أن فيتنام قد وجدت فرصتها الذهبية لاقتحام واحدة من أكثر الصناعات استراتيجية في العالم، وهذا التحول يضعها على الخريطة كلاعب رئيسي في المستقبل.