في قلب الأردن، وعلى شواطئ البحر الميت الساحرة، انعقد “منتدى مسارات الإبداع في وادي الأردن”، حيث اجتمع قرابة 200 شاب، ورائد أعمال، ومبدع، ومسؤول، ليؤكدوا على فكرة محورية: الإبداع ليس مجرد ترفيه، بل هو مسار عملي لتحقيق النجاح والعيش الكريم، وأن الإنجاز لا يتطلب بالضرورة مؤسسات عملاقة، بل يمكن للجميع تحويل عاداتهم اليومية وتراثهم المحلي إلى مشاريع صغيرة مستدامة.
هذا هو الهدف الذي سعى المنتدى إلى تحقيقه، وهو مبادرة أطلقها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالشراكة مع وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة في الأردن، وبدعم سخي من الحكومة اليابانية.
الفكرة الأساسية التي تناولها المنتدى هي إعادة تصور وادي الأردن كمنطقة مزدهرة، يقودها اقتصاد محلي يعتمد على الصناعات الثقافية والإبداعية، مثل السياحة الزراعية، وفنون الطهي، والحرف اليدوية الأصيلة، بالإضافة إلى تسخير الأدوات الرقمية لتعزيز هذه الصناعات.
تضمن برنامج المنتدى أربع ورش عمل متوازية، ركزت على قطاعات واعدة في وادي الأردن، بدءًا من السياحة الزراعية والنظم الغذائية المستدامة، وصولًا إلى الصناعات المرتكزة على الهوية المحلية، والمرونة الرقمية، وريادة الأعمال الخضراء، وقد أدار هذه الورش نخبة من الخبراء والقادة المحليين، الذين قدموا رؤى عملية وأطرًا للشراكات الفعالة بين القطاعين العام والخاص.
وفي هذا السياق، أكدت ماجدة العساف، نائبة الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الأردن: “هذا المنتدى يهدف إلى الاستثمار في طاقات الشباب وإمكانياتهم القيادية في وادي الأردن، وإبراز كيف يمكن للتعبير الإبداعي أن يساهم بشكل كبير في تحقيق العدالة الاقتصادية، والاندماج الاجتماعي، والحفاظ على الكرامة الإنسانية”.
شراكة واسعة النطاق
لم يكن المنتدى حدثًا منفصلًا، بل جزءًا من مبادرة أوسع تدعمها اليابان والأمم المتحدة في الأردن، تشمل:
- شبكات شباب الاستدامة في العقبة.
- مشاريع الاقتصاد الدائري في دير علا داخل وادي الأردن.
وفي تصريحات صحفية، أوضح السفير الياباني في عمّان، هيديكي أساري، أن رؤية المنتدى تتمحور حول دمج الصناعات الثقافية والإبداعية مع التكنولوجيا الرقمية، وتعزيز التماسك الاجتماعي، بهدف خلق فرص عمل حقيقية للشباب والنساء، خاصة في المناطق الأقل حظًا.
من جهتها، صرحت سميرة الزعبي، الأمينة العامة لوزارة الاقتصاد الرقمي والريادة: “من خلال دمج الابتكار في مسيرة التحول الاقتصادي، نفتح المجال لمشاركة شاملة، خاصة للشباب والمجتمعات الريفية، فوادي الأردن يمثل جزءًا حيويًا من هويتنا الوطنية، وإمكاناته الإبداعية هي ثروة وطنية نلتزم بتنميتها وإطلاقها”.
النجاح ينطلق من الهوية
خلال فعاليات المنتدى، تم استعراض نماذج عملية بسيطة وقابلة للتطبيق، مثل:
- ضيافة ريفية صغيرة تحول المزرعة إلى تجربة يومية للزوار، تشمل قطف الثمار، والطهي التقليدي، وتذوق المنتجات المحلية.
- مشروعات منزلية تعيد إحياء وصفات المربى والخبز التقليدي، وتحويلها إلى منتجات قروية تباع محليًا وعبر الإنترنت.
- استخدام منصات التواصل الاجتماعي للدعاية والإعلان بأساليب مبتكرة.
- مبادرات نسائية تستثمر الخامات المحلية، مثل أوراق الموز، في صناعة منتجات ذات قيمة اقتصادية واجتماعية.
الرسالة الأساسية التي وجهها المنتدى لجميع الباحثين عن النجاح من خلال استثمار البيئة المحلية، هي التركيز على الهوية الثقافية والتراثية، وليس فقط على المنتج، لأن ذلك يعزز القيمة ويفتح آفاقًا للشراكات الثقافية والسياحية.
اختتم المنتدى فعالياته بتوصيات مهمة، تضمنت:
- إزالة العوائق التنظيمية التي تواجه المشاريع الصغيرة.
- توجيه الاستثمارات الذكية نحو المشاريع التي تقودها المجتمعات المحلية.
- تعزيز مسارات آمنة لتمكين الشباب والنساء اقتصاديًا.
وتهدف هذه التوصيات إلى وضع الصناعات الثقافية والإبداعية في صلب إستراتيجية التنمية المستدامة في الأردن.