الحرب في غزة لم تدمر المنازل والبنى التحتية فحسب، بل قضت على أحلام جيل بأكمله، دانا محمد، كانت تستعد لامتحانات الثانوية وتحلم بدراسة الطب، لكن فجأة وجدت نفسها بلا مدرسة ولا معلم، تعتمد على هاتفها المحمول وشبكة إنترنت ضعيفة لمتابعة دروسها بصعوبة، قصة دانا تعكس معاناة آلاف الطلاب في غزة، الذين فقدوا حقهم في التعليم بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر منذ السابع من أكتوبر 2023.
تتجاوز الأزمة مجرد تعطيل الدراسة، بل تمتد لتشمل تدمير المؤسسات التعليمية وتحويل المدارس إلى ملاجئ للنازحين، التعليم الخاص أصبح البديل الوحيد، لكن تكاليفه الباهظة تجعلها غير متاحة لمعظم الأسر التي فقدت مصادر رزقها، دانا الآن تساعد والدتها في الطهي وصناعة الخبز، وتحن إلى أيام مدرستها وصديقاتها، وتحلم بالعودة إلى حياتها الطبيعية وأن تصبح طبيبة.
### جيل محاصر
بينما تكافح دانا للحفاظ على حلمها، تتحدث رؤى حازم غازي عن اشتياقها لمدرستها وصديقاتها، اللاتي استشهد بعضهن وفقدت الاتصال بالبعض الآخر، رؤى التي كانت في الصف السادس عند اندلاع الحرب، لم تفرح بمريولها الجديد، وتقضي وقتها في صنع الأساور وبيعها للأطفال، توتو محمد شراب، تلميذة أخرى، نزحت من منزلها وتعيش في خيمة، وتدرس في فصل صغير أقامته مؤسسة تعليمية داخل المخيم، وتحن إلى مدرستها وكتبها وأقلامها، أما إسماعيل ياسين الفرا، فيختصر تجربته المؤلمة بالقول: “كنت أتمنى البقاء في مدرستي، اشتقت كثيرًا إلى حياتي كما كانت”.
### أرقام كاشفة
منذ 7 أكتوبر 2023 وحتى سبتمبر 2025، أصبح التعليم في غزة هدفًا عسكريًا مباشرًا، تشير البيانات إلى استشهاد أكثر من 17,237 طالبًا وإصابة 25,459 آخرين، بينما استشهد 1,271 طالبًا جامعيًا وأصيب أكثر من 2,683، الكوادر التعليمية دفعت ثمنًا باهظًا أيضًا، حيث استشهد 741 معلمًا وأصيب 3,096، إلى جانب 226 أستاذًا جامعيًا و1,421 مصابًا من العاملين في مؤسسات التعليم العالي، تم تدمير أكثر من 172 مدرسة حكومية بالكامل، وتعرضت 118 مدرسة حكومية أخرى للقصف والتخريب، إضافة إلى خروج أكثر من 100 مدرسة للأونروا من الخدمة، كما طالت الضربات الجامعات مباشرة، بتدمير أكثر من 63 مبنى جامعيا، تشكل هذه الأرقام دليلًا على انتهاك إسرائيل لاتفاقيات جنيف الرابعة وميثاق حقوق الطفل.
الأرقام الصادمة تكشف حجم الكارثة:
الفئة | العدد |
---|---|
عدد الطلاب الشهداء | 17,237 |
عدد الطلاب المصابين | 25,459 |
عدد الطلاب الجامعيين الشهداء | 1,271 |
عدد الطلاب الجامعيين المصابين | 2,683 |
عدد المعلمين الشهداء | 741 |
عدد المعلمين المصابين | 3,096 |
عدد الأساتذة الجامعيين الشهداء | 226 |
عدد الأساتذة الجامعيين المصابين | 1,421 |
عدد المدارس الحكومية المدمرة بالكامل | 172 |
عدد المدارس الحكومية المتضررة | 118 |
عدد مدارس الأونروا الخارجة عن الخدمة | +100 |
عدد المباني الجامعية المدمرة | +63 |
### تعليم بديل
في ظل هذه الظروف القاسية، تحاول المعلمة شاتيلا سالم شحته، التي كانت تدرّس الصف الأول الابتدائي، تقديم الدعم للطلاب النازحين، تتذكر شاتيلا بحسرة خبر استشهاد إحدى طالباتها، وتؤكد أن الحرب سرقت أحلام الأطفال وحولتها إلى رماد، شاتيلا تشكو من معوّقات عدة، كالنزوح، التشرد، انقطاع الكهرباء والإنترنت، وغياب الأجهزة اللازمة، وتلفت إلى أن التعليم ليس رفاهية، بل هو الحياة، جيل كامل سيكون بدون أدوات تُعينه على المستقبل، طلاب غزة الذين كانت أحلامهم الطب والهندسة والمحاماة، يحملون الآن حقائب مدرسية تحمل بقايا متعلقات شخصية نجت من الغارات والقصف المتواصل.
### التعليم الضائع
يرى الأديب الفلسطيني يسري الغول، أن التعليم في غزة تحوّل إلى ترفٍ بعيد المنال، فالمدارس تحولت إلى مراكز إيواء للنازحين وتعرضت للقصف والاستهداف المباشر، أطفال غزة الآن، شغلهم الشاغل البحث عن مقومات البقاء، في طوابير المياه والطعام والمستشفيات، لم يعد لديهم أدنى قدرة على مواصلة التعلم عن بُعد بسبب انقطاع الكهرباء والإنترنت، الغول يحاول تعويض الفراغ بتطوير قدرات أبنائه الثقافية واللغوية، لكنه يعترف بأن ذلك لا يمثل سوى جزء ضئيل مما يحتاجونه.
### كارثة تعليمية
أكد المتحدث باسم التربية والتعليم في غزة، د.مجدي برهوم، أن الواقع التعليمي في القطاع يعيش واحدة من أخطر مراحله، بعد حرمان عشرات الآلاف من الطلاب من حقهم في التعليم للعام الدراسي الثالث على التوالي، البدائل اقتصرت على نقاط تعليمية في الخيام، ومحاولات للتعليم عن بُعد، لكنها لا يمكن أن تعوّض البيئة التعليمية الطبيعية، برهوم كشف عن أن قطاع التعليم دفع ثمنًا باهظًا، إذ استشهد أكثر من 800 معلم وإداري، فيما أصيب الآلاف بجراح متفاوتة، المرحلة الثانوية العامة تُعد الأكثر خطورة، وطلبة جيل 2006 و2007 حُرموا من امتحانات الثانوية العامة، ما يعني أن آلاف الشباب يقفون على مفترق طرق بلا أفق واضح لمستقبلهم.
وأضاف برهوم أن استمرار العدوان أودى بحياة أكثر من 15 ألف طفل في سن التعليم، وأصاب عشرات الآلاف بجراح وإعاقات وصدمات نفسية، فضلًا عن التدمير الممنهج للمؤسسات التعليمية، موضحًا أن غزة كانت الأقل أميّة في فلسطين، وأن الطالب يمثل رأس المال الحقيقي للشعب، مشددًا على أن استهداف الاحتلال للمنظومة التعليمية ليس عبثًا، بل محاولة ممنهجة لطمس هوية القضية الفلسطينية وتجهيل الأجيال، الوزارة شكلت خلية أزمة مشتركة بين غزة ورام الله، ووضعت بدائل لمواجهة الانهيار، منها التعليم عن بُعد عبر منصات، إعداد رُزم تعليمية وبطاقات علاجية لتعويض الفاقد، تنظيم دورات تدريبية للكوادر التدريسية، ومتابعة ميدانية من فرق متخصصة لضمان استمرار الحد الأدنى من التعلم في بيئة شبه معدومة.
### التعليم الجامعى
تعرّض معظم مرافق قطاع التعليم العالي في غزة للتدمير، القطاع يضم 6 جامعات و5 كليات جامعية و6 كليات متوسطة، يعمل فيها نحو 5201 موظف ما بين أكاديمي وإداري، أما عدد الطلبة في مؤسسات التعليم العالي فيقارب الـ88 ألف طالب وطالبة، توقفت مسيرتهم التعليمية بشكل كامل حتى أبريل 2024، بعد أن فقد القطاع آلاف الطلبة الجامعيين ومئات العاملين، إضافة إلى استشهاد 2 من رؤساء الجامعات.
يقول الناطق باسم وزارة التربية والتعليم العالي، صادق الخضور، إنهم يسعون لإيجاد قنوات تواصل مع الجامعات في الضفة الغربية لاستيعاب طلاب غزة، وتقديم خدمات تعليمية عبر المنصات الإلكترونية، لكن عشرات الآلاف محرومون من أي فرصة تعليمية حقيقية، عالقون بين القصف والتهجير وانقطاع الخدمات، ومتمسكون بأمل ضئيل بالعودة إلى جامعاتهم أو استكمال دراستهم في ظروف أكثر استقرارًا، وأضاف أن نحو 4,500 طالب تمكنوا من مغادرة غزة إلى مصر ودول أخرى، فالتحقوا بجامعات أو برامج دراسية بديلة، فيما التحق جزء من الطلبة بالمبادرات الإلكترونية التي تبنتها الجامعات في الضفة أو خارجها، وبيّن وجود عدد محدود من المنح الخارجية يجري العمل على زيادتها بالتنسيق مع منظمات أممية ومؤسسات دولية، غير أن حجمها يبقى ضئيلًا مقارنة بالاحتياجات الفعلية لعشرات الآلاف من الطلبة المحرومين.
### محاولات الأنروا
أظهرت تقارير الأونروا أن حوالي 432 مبنى مدرسيًا تعرّض لغارات مباشرة منذ 7 أكتوبر 2023، وتقول إيناس حمدان، مسئولة الإعلام في الوكالة بغزة، إن القطاع بأكمله يتعرض لدمار متواصل، بما في ذلك المباني المدرسية والجامعات، حوالي 97٪ من المنشآت التعليمية في القطاع تعرضت للضرر الجزئي أو الكلي، وما يقارب 660 ألف طالب وطالبة لم يعودوا إلى مقاعد الدراسة للعام الثالث على التوالي بسبب فظائع الحرب، وهؤلاء الأطفال مهددون بأن يصبحوا جيلًا ضائعًا، بالإضافة إلى الآثار السلبية على الجانب النفسي والاجتماعي، وكذلك تراكم الفاقد التعليمي.
تضيف حمدان أن هناك أنشطة تعليمية غير رسمية تُقدّم في 455 مساحة تعليمية مؤقتة في حوالي 67 مدرسة للأونروا تحولت لمراكز إيواء، واستفاد منها حتى الآن نحو 59 ألف طالب وطالبة، لكنها شددت على أن هذه المبادرات لا تُعتبر بديلًا عن النظام التعليمي المتكامل، مجرد محاولة، ليست مشروعًا تعليميًا رسميًا، لتعويض الأطفال عمّا فاتهم من خلال جلسات تعليم غير رسمي، حيث تُعقد هذه الجلسات في أماكن محددة داخل مراكز الإيواء، التي كانت في الأصل مدارس تابعة للأونروا، ويتم تحديد مواقع انعقادها وفقًا لمواقع تلك المدارس أو الملاجئ، كما كشفت عن كثرة التحديات وتفاقمها، حيث إن عددًا من المباني المدرسية تعرض للقصف بشكل كلي ودُمرت بالكامل، ما جعلها غير صالحة للاستخدام، كما تقع مدارس أخرى داخل نطاق مناطق الإخلاء القسري التي تحولت إلى مناطق عسكرية، مما يحول دون استغلالها لأي نشاط تعليمي.
### محاولات وعراقيل
علمت “الأسبوع” أن هجومًا سيبرانيا عطل مبادرة وزارة التربية والتعليم الفلسطينية الخاصة بحل أزمة امتحانات الثانوية العامة – الاستثنائية – لطلاب دفعة 2006 و2007، وبعدما أطلقت الامتحانات عبر منصة إلكترونية لتسهيل وصول الطلبة المتضررين، إلا أن التجربة تعطلت بشكل مفاجئ نتيجة هجوم سيبراني علي المنصة، وفيما تحاول الوزارة التغلب على “الخلل”، سألنا الناطق باسم وزارة التربية والتعليم العالي، صادق الخضور، عن مصير الاعتراف بشهادات الطلبة، فقال: هناك منظومة وآلية محددة تحكم هذا العمل، الوزارة تضمن اعتماد أي آلية تراعي خصوصية الظروف الاستثنائية التي يمر بها الطلبة، مع الحفاظ على مصداقية الشهادات ونزاهة النظام التعليمي، وبشأن العدالة في توزيع الفرص التعليمية، شدد على صعوبة الحديث عن عدالة كاملة في ظل التباين الكبير بين ظروف الطلبة والجامعات، رغم الحرص على وضع معايير واضحة لتوزيع المنح والمقاعد الدراسية، وضمان وصول أي فرص خارجية إلى جميع الجامعات بشكل متوازن.
المعطيات السابقة تكشف جانبًا آخر من المأساة التي يعيشها طلاب قطاع غزة، لم تعد الأزمة هي الالتحاق بصف تعليمي، أو فقدان أدوات مدرسية، بل ضياع المعرفة، وفقدان الأمان والاستقرار، ومن واقع شهادات أطراف الأزمة يتضح أن التعليم في القطاع “كخط دفاع أخير عن بقاء الهوية الفلسطينية” يتعرض لعدوان إسرائيلي متعدد الأشكال، جيل كامل يواجه خطر الضياع، بين حلم مؤجل وحق مسلوب، وإرادة صمود تستند إلى بقايا الأمل.
اقرأ أيضاًعاجل| الرئيس السيسي: توافق بين مصر وسنغافورة لوضع حد لما يحدث بغزة
عاجل| حماس تُربك نتنياهو بـ «صورة وداعية» للرهائن عقب العملية الموسعة بغزة
يونسكو: دورات تدريبية لتعزيز مهارات صحفيي غزة في السلامة الرقمية