في أعقاب حادثة مؤسفة، كشفت تحقيقات وزارة الداخلية عن سرقة سوار أثري من المتحف المصري في وقت سابق من هذا الشهر، حيث قامت أخصائية ترميم ببيعه إلى ورشة ذهب، ليقوم عامل بصهره وإعادة تشكيله ضمن مصوغات أخرى.
وقد أثار هذا الحادث قلق الأثريين والمختصين، الذين وصفوه بأنه “ناقوس خطر” يهدد مكانة مصر العالمية في صون تراثها، وطالبوا بتحسين أوضاعهم المهنية والمادية، باعتبارهم “خط الدفاع الأول” عن الكنوز الأثرية، بالإضافة إلى تطبيق منظومة أمنية متكاملة تعتمد على التكنولوجيا الحديثة، بما يتناسب مع القيمة التاريخية للمقتنيات.
بالتوازي مع ذلك، دعا خبراء إلى تعليق سفر القطع الأثرية في المعارض الخارجية، خاصة بعد تعرض بعضها للتلف أو خطر الفقدان في معارض عالمية سابقة.
### جرس إنذار
يؤكد عالم المصريات ومدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، حسين عبد البصير، أن “سرقة أي قطعة أثرية، مهما كانت صغيرة، تمثل ضربة موجعة لثقة الجمهور في المتحف والمنظومة الثقافية والأثرية بأكملها، ما يستدعي التعامل معها كجرس إنذار لإصلاح أي قصور”.
ويشدد عبد البصير على أن “الحل يبدأ بتعزيز إجراءات التأمين في المتاحف والمخازن، باستخدام أحدث التقنيات مثل الكاميرات الذكية عالية الجودة، وأجهزة الإنذار المتطورة، وحساسات الحركة واللمس”.
ويضيف: “التكنولوجيا وحدها لا تكفي، بل يجب أيضاً رفع كفاءة الكوادر البشرية من خلال برامج تدريبية مستمرة تركز على الانضباط والمسؤولية، وتحديث نظام توثيق القطع الأثرية بشكل إلكتروني شامل، يتيح تتبع حركة أي قطعة لحظة بلحظة، مما يكشف أي تلاعب أو فقدان فور وقوعه”.
ويصف عبد البصير المرممين الأثريين بأنهم “خط الدفاع” عن آثار مصر، مشيراً إلى أن عملهم يتسم بالدقة والخطورة، ويتطلب دعماً كبيراً، موضحاً أنهم “بحاجة إلى دعم مادي ومعنوي، من خلال رواتب مجزية وحوافز تشجع على الإبداع، وتوفير معامل وتجهيزات متطورة تساعدهم على القيام بعمليات الترميم وفق أحدث الأساليب العلمية، بالإضافة إلى برامج تدريبية لمواكبة التطورات العالمية في هذا المجال، مع ضرورة الاعتراف بدورهم إعلامياً ومجتمعياً”.
وفيما يتعلق بالمعارض الخارجية، يرى مدير متحف مكتبة الإسكندرية أن الحل ليس في إيقافها بالكامل، لأنها “أداة مهمة للدبلوماسية الثقافية، ولتعريف العالم بتراث مصر العظيم، ولكن يجب مراجعة دقيقة للسياسات المتبعة في اختيار القطع، مع إعطاء الأولوية للقطع الأقل حساسية أو التي لها بدائل في المخازن، مع ضمان تطبيق أعلى معايير التأمين الدولية في النقل والعرض والتخزين خلال الرحلات الخارجية”.
### تحسين أوضاع المُرممين الآثريين
يؤكد كبير الأثريين بوزارة السياحة والآثار المصرية، مجدي شاكر، أن المرممين المصريين يتمتعون بكفاءة عالية على مستوى العالم، لأنهم يمتلكون معرفة دقيقة بالمواد الأثرية وطرق التعامل معها، مضيفاً أن “المُرمم المصري يتميز بالكفاءة، وإذا حدث خطأ فردي فهو استثناء لا يقلل من قيمة المهنة”.
ويوضح شاكر أنه “يجب إعادة النظر في الأوضاع المعيشية والمادية للعاملين في قطاع الآثار، مع التأكيد على أن تحسين الرواتب يجب أن يتزامن مع تشديد الرقابة والمتابعة، لأن غياب كاميرات المراقبة أو ضعف إجراءات التفتيش الأمني داخل المتاحف يمثل ثغرات خطيرة لا يمكن تجاهلها”.
ويشير شاكر إلى أن “الواقعة الأخيرة تمثل ناقوس خطر يستوجب إعادة هيكلة شاملة للمنظومة الإدارية والأمنية، وتحديث أنظمة الحماية بما يليق بسمعة مصر وتراثها، خاصة في ظل الأحداث الدولية الكبرى مثل زيارة ملك إسبانيا أو ترشح مصر لمناصب ثقافية دولية مثل اليونسكو”.
ويقترح شاكر عدداً من الإجراءات، منها:
* إجراء جرد شامل لجميع القطع الأثرية في المخازن.
* توثيقها إلكترونياً عبر أنظمة “كيو آر”، لرصد أي تحرك غير مصرح به فوراً.
* إنشاء منظومة أمنية موحدة لجميع المتاحف المصرية.
ويسترسل شاكر قائلاً: “لدينا 75 متحفاً، من بينها 41 متحفاً أثرياً والباقي متاحف متخصصة، وهذه المتاحف بحاجة إلى خطة شاملة ومنظومة متكاملة تقوم على التأمين والرقابة والتطوير والترويج”.
من جانبه، يطالب المؤرخ والمتخصص في علم المصريات، بسام الشماع، بوقف المعارض الأثرية المصرية الخارجية خلال الفترة المقبلة، موضحاً أن “الأوضاع الدولية غير مستقرة في الوقت الراهن، ويجب عدم المخاطرة بالآثار المصرية”.
ويوضح الشماع أن قطعاً أثرية مهمة “تعرضت للتلف في الكثير من المعارض في ألمانيا ودول أوروبية أخرى خلال العقود الماضية، لذا يجب عدم السماح بتعريض الآثار المصرية لأي تهديد أو خطر، ومن يرغب في مشاهدة القطع المصرية الفريدة فليأت إلى مصر ويشاهدها داخل متاحفنا”.