وزيرة التخطيط تؤكد دور الإعلام المحوري في تعزيز الوعي الاقتصادي

في إطار سلسلة جلسات الحوار المجتمعي التي تنظمها وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي حول “السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية: السياسات الداعمة للنمو والتشغيل”، عقدت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط، لقاءً موسعًا مع رؤساء تحرير الصحف والمواقع الإخبارية، وعدد من الكُتّاب، وذلك استكمالاً للفعاليات التي أطلقتها الوزارة تحت رعاية وحضور الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، في السابع من سبتمبر الجاري.

افتتحت الوزيرة اللقاء بالترحيب برؤساء التحرير والصحفيين، مؤكدة على الدور المحوري للإعلام كشريك فاعل، وأشارت إلى حرص الوزارة على التواصل الدائم وتقديم الإجابات الشافية لاستفسارات الإعلاميين حول كافة ملفات عمل الوزارة، وخاصة تلك المتعلقة بالسردية الوطنية للتنمية الاقتصادية.

كما أكدت على توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، بشأن تشجيع الإنتاج والصناعة وزيادة الصادرات، مستشهدة بكلمته أمام مجلس النواب في أبريل 2024، والتي أكد فيها على سعي الدولة لاستكمال مسيرة البناء، وتحقيق تطلعات المواطنين في بناء دولة حديثة وديمقراطية، من خلال مواصلة الإصلاح الاقتصادي، وتبني استراتيجيات تعزز قدرات وموارد مصر الاقتصادية، وتقوي مرونة الاقتصاد المصري في مواجهة التحديات، مع تحقيق نمو اقتصادي قوي ومستدام ومتوازن، وتعزيز دور القطاع الخاص كشريك أساسي في قيادة التنمية.

إن هذا اللقاء يعكس حرص الحكومة المصرية على إشراك الإعلاميين والمثقفين في جهود التنمية الاقتصادية، وتعزيز الشفافية والإفصاح عن السياسات والإجراءات التي تتخذها الدولة لتحقيق النمو المستدام.

إعداد «السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية»

استعرضت الدكتورة المشاط جهود إعداد “السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية”، والتي بدأت منذ أكتوبر 2024، موضحة أن السردية تهدف إلى تحقيق التكامل بين رؤية 2030، التي شهدت تعديلات في مستهدفاتها نتيجة التطورات الإقليمية والعالمية، وبرنامج عمل الحكومة، كما تستند إلى مرجعية مؤسسية وتشريعين هامين هما قانون المالية العامة الموحد، وقانون التخطيط الموحد، واللذين ينصان على قيام الوزارة المختصة بشئون التخطيط بتحديد الأهداف الاستراتيجية للدولة، وتحديد أولويات تنفيذها، ورسم المنظومة المتكاملة للتخطيط التنموي، ومتابعة تنفيذها، وربطها بسياسات الاقتصاد الكلي، والتزام كل وزارة بالتنسيق مع وزارة التخطيط في إعداد مؤشرات الأداء.

وأكدت أن التعديلات في القانونين تلزم الحكومة بإعداد خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والموازنة العامة للدولة لمدة 3 سنوات، بدءًا من العام المالي 2026/2027، للمرة الأولى، وأشارت إلى أن دمج وزارتي التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي يهدف إلى تحقيق التكامل بين ملفات الاقتصاد الكلي، من خلال التمويلات الخارجية من شركاء التنمية واستثمارات الباب السادس بالموازنة العامة للدولة.

إطار شامل ومظلة للاستراتيجيات والرؤى المختلفة

أوضحت أن مُسمى “السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية” يعكس دورها كمظلة شاملة لمختلف الاستراتيجيات والرؤى، فهي تضم رؤية 2030 وبرنامج عمل الحكومة، بالإضافة إلى الاستراتيجيات القطاعية مثل استراتيجية الاستثمار الأجنبي المباشر، والتنمية الصناعية، والتشغيل، وريادة الأعمال، وكلها روافد رئيسية لتحقيق التنمية الاقتصادية، وفي هذا السياق العالمي المتغير، يجب على الدول أن تُظهر وتروج لنموذجها الاقتصادي والسياسات التي تتبعها، من أجل اقتناص الفرص واستغلال التقلبات والسياسات الحمائية، والتركيز على الميزات التنافسية.

وذكرت أن “السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية” تستهدف التركيز على السياسات والإجراءات والإصلاحات الاقتصادية التي تنفذها الدولة، من أجل التحول إلى نموذج اقتصادي يعمل على ترسيخ استقرار الاقتصاد الكلي، وتنفيذ الإصلاحات الهيكلية، والتركيز على القطاعات الأعلى إنتاجية، من خلال سياسات الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتوطين الصناعة، والتخطيط الإقليمي وتوطين التنمية الاقتصادية.

خلخلة قطاعات الاقتصاد الحقيقي

أشارت إلى أن العديد من تعليقات الخبراء الاقتصاديين تُشير إلى أن برامج الإصلاح الاقتصادي في مصر كانت تُركز على السياسات المالية والنقدية فقط، دون التطرق إلى قطاعات الاقتصاد الحقيقي، وأكدت أن السردية تعمل على هذا التوجه، وتستغل الاستقرار الذي حققته الدولة على صعيد السياستين المالية والنقدية، ونجاحها منذ إجراءات مارس 2024 في التغلب على العديد من التحديات، من أجل خلخلة الاقتصاد الحقيقي، والتركيز على سياسات النمو والتشغيل، والتحول نحو القطاعات ذات القيمة المضافة العالية.

ولفتت إلى أن السردية تعتبر “برنامج إصلاح اقتصادي” وأداة ترويج لركائز الاقتصاد المصري، تعكس من خلالها السياسات والإصلاحات الهيكلية الداعمة للنمو وجذب الاستثمار، وتعزيز مشاركة القطاع الخاص وعرض البدائل التمويلية المتاحة له، وكذلك تسليط الضوء على الفرص القطاعية الواعدة.

كما تحدثت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، حول مؤشر آفاق التعقيد الاقتصادي، والذي يبرز تقدم مصر ومجيئها في الترتيب 5 من بين 145 دولة، وهو ما يعكس الإمكانيات القوية لقدرة الاقتصاد المصري على تنويع الصادرات والإعلاء من قيمتها المضافة، وأن مصر تعد من بين البلدان متوسطة الدخل ذات الترتيب المتقدم في مؤشر آفاق التعقيد الأخضر، وهو ما يؤكد الفرص الكبيرة المتاحة للاقتصاد المصري للتحول إلى القطاعات الأعلى إنتاجية والتي تضيف قيمة مضافة حقيقية.

الاستفادة من البنية التحتية المتطورة

أوضحت أن “السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية” تعمل على الاستفادة مما تم إنجازه من بنية تحتية متطورة، تمثل قاعدة داعمة للتصنيع التجاري، بما يُعزز القدرة التنافسية للاقتصاد المصري، ويهدف إلى بناء اقتصاد أكثر ديناميكية وقادر على امتصاص الصدمات الخارجية، وذلك من خلال ركائزها الثلاثة: استقرار الاقتصاد الكلي كشرط حتمي لتحقيق التنمية الاقتصادية، والتحول الهيكلي نحو القطاعات القابلة للتبادل التجاري، وإعادة تعريف دور الدولة في الاقتصاد وتمكين القطاع الخاص.

وشددت الدكتورة المشاط على المقومات الفريدة التي يتمتع بها الاقتصاد المصري والتي تجعله من أكثر الاقتصادات تنوعًا في المنطقة، انطلاقًا من البنية التحتية المتطورة، والسوق المحلي الضخم، والموقع الجغرافي المتميز ووجود شريان قناة السويس الحيوي والمنطقة الاقتصادية لقناة السويس التي تعد من أكثر المناطق الجاذبة للاستثمار، حيث تُمثل رافدًا رئيسيًا على سوق قوامه أكثر من ملياري نسمة، فضلًا عن موقع مصر كمركز للطاقة الخضراء من خلال مشروعات الطاقة المتجددة، والتكامل الإقليمي عبر الاتفاقيات التجارية، وإمكانات التحول الرقمي، والموارد البشرية المؤهلة.

الوضع الحالي للاقتصاد المصري

أكدت أنه عند النظر إلى مستهدفات السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية، يجب رصد الوضع الحالي على صعيد المؤشرات الكلية وما وراءها، وأوضحت أنه رغم تحديد متوسط معدلات النمو منذ يوليو 2024، إلا أن الأهم هو ما وراء هذه الأرقام، حيث تصدرت الصناعات التحويلية غير البترولية القطاعات الأكثر دعمًا للنمو إلى جانب السياحة، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والزراعة، والتجارة، وذلك رغم الأثر السلبي الذي خلفته انخفاض أنشطة قناة السويس بسبب التوترات الجيوسياسية، وانكماش قطاع البترول والاستخراجات، وهو ما يعكس الفرص الكبيرة المتاحة للاقتصاد مع عودة تلك القطاعات للنمو في الفترة المقبلة.

إلى جانب ذلك فقد أشارت إلى الآثار الإيجابية لحوكمة الاستثمارات العامة كركيزة أساسية لتحقيق استقرار الاقتصاد الكلي، والتي ساهمت في زيادة نسبة الاستثمارات الخاصة إلى الاستثمارات الكلية لتسجل نحو 62.8% في الربع الثالث من العام المالي الماضي، وتحقيقها زيادة بنسبة 24% في مقابل انكماش الاستثمارات العامة.

وذكرت أن وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي تحرص باستمرار على إتاحة البيانات وتفاصيل معدلات النمو من خلال تقرير ربع سنوي باللغتين العربية والإنجليزية، بما يُعزز سياسات الشفافية والإفصاح، ويشجع الاستثمارات المحلية والأجنبية.

البرنامج الوطني للإصلاحات الهيكلية

أوضحت أن السردية تقوم في جوهرها على علاقة تكاملية واضحة بين استقرار الاقتصاد الكلي وصياغة وتنفيذ الإصلاحات الهيكلية، بما يُرسخ أسس التنمية الاقتصادية ويطلق العنان للإمكانات الكامنة في الاقتصاد المصري، ويخلق تفاعلًا ديناميكيًا ينتقل بالاقتصاد إلى حلقة متصلة تُسهم في رفع الإنتاجية، وتحفيز الاستثمار، وزيادة مشاركة القطاع الخاص، وتوسيع قاعدة التصدير، بما يدفع النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل.

واتصالًا أوضحت الوزيرة أن السردية تُترجم أولويات الإصلاح الهيكلي إلى مجموعة متسقة من المستهدفات الكمية ضمن إطار اقتصاد كلي مبسط يتضمن أهدافًا قابلة للقياس بحلول 2030، مشيرة إلى أن 25 جهة وطنية تقوم على تنفيذ عشرات الإصلاحات ضمن البرنامج الوطني للإصلاحات الهيكلية وتعمل وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي على متابعة تنفيذ تلك الأهداف.

ركائز السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية

تناولت الدكتورة رانيا المشاط ركائز السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية، مشيرة إلى الركيزة الأولى المتعلقة باستقرار الاقتصاد الكلي من خلال السياسات المالية والنقدية وحوكمة الاستثمارات العامة، وتنفيذ البرنامج الوطني للإصلاحات الهيكلية، وأكدت أن “السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية” تستهدف إعادة تعريف دور الدولة في الاقتصاد وتمكين القطاع الخاص، كمحور رئيسي، من أجل تهيئة بيئة الأعمال ومناخ الاستثمار.

وأوضحت أن هذا التحول مبني على مبدأ الانتقال التدريجي من الدور التشغيلي المباشر إلى دور تنظيمي ممكن وشريك استثماري، يُسهم في تحسين كفاءة تخصيص الموارد وتعظيم العائد من الأصول العامة، وأكدت أن وثيقة سياسة ملكية الدولة تُعد المرجعية الأساسية التي تُحدد إطار تدخل الدولة في مختلف القطاعات، حيث تميز بين القطاعات التي تستمر الدولة في إدارتها لأسباب استراتيجية، وتلك التي يُُفسح فيها المجال أمام القطاع الخاص، سواء من خلال الشراكة أو التخارج الكلي أو الجزئي، بما يعكس ترسيخ مبادئ الحوكمة والشفافية وتعزيز تنافسية الاقتصاد المصري.

وأشارت إلى أنه من أجل تنفيذ تلك الرؤية تتكامل ثلاث جهات رئيسية تلعب أدوارًا متخصصة ومترابطة، وهي وحدة الشركات المملوكة للدولة التابعة لمجلس الوزراء، التي تم تأسيسها بموجب قانون الشركات المملوكة للدولة أو التي تُساهم فيها، إلى جانب الصندوق السيادي المصري، ووحدة الطروحات الحكومية.

وفيما يتعلق بالركيزة الثالثة المتعلقة بالتحول نحو القطاعات القابلة للتبادل التجاري، أوضحت الدكتورة رانيا المشاط أن السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية رصدت مضاعف التشغيل في القطاعات المختلفة والتي أظهرت أن الصناعات التحويلية تُحقق أعلى مضاعف تشغيل، تليها الخدمات، مشيرة إلى أن السردية تستهدف التحول نحو نموذج يقوم على التركيز على تلك القطاعات.

التمويل من أجل التنمية

أضافت أن التمويل من أجل التنمية قاسم مشترك في مختلف محاور العمل من أجل تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة، وفي هذا الصدد فقد نجحت الوزارة من خلال آليات التعاون الدولي في أن تصبح مصر منصة للتمويلات الميسرة من شركاء التنمية للقطاعين الحكومي والخاص، حيث بلغت تلك التمويلات منذ 2020 نحو 16 مليار دولار.

وأشارت إلى أن جزء من شراكتنا مع الاتحاد الأوروبي إتاحة ضمانات استثمار بقيمة 1.8 مليار يورو لحشد استثمارات عامة وخاصة بقيمة 5 مليارات يورو، وأن الجهود التي تمت في الفترة الماضية دفعت مؤسسات دولية ثنائية لتمويل القطاع الخاص في مصر لأول مرة في تاريخها، ولذلك فإن الشراكة مع المؤسسات الدولية تأخذ أشكالًا مختلفة من التعاون والتكامل.

استشراف المستقبل

أكدت أنه بينما تستهدف السردية التحول نحو نموذج اقتصادي يقوم على القطاعات الأعلى إنتاجية، فإن الوزارة تتابع المؤشرات والتطورات الحالية، والتي تعكس العديد من التطورات، مضيفة أن السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية ستتضمن خلال فترة الحوار المجتمعي استراتيجية الحماية الاجتماعية، والتنمية البشرية.

وذكرت أن المستهدفات الكمية ضمن السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية تم وضعها وفقًا لثلاثة سيناريوهات أساسية: سيناريو إصلاح متسارع، وسيناريو متحفظ، في حالة تصاعد حالة عدم اليقين العالمية.

الحوار المجتمعي

أشارت إلى أن الشهرين المقبلين يتضمنان عددًا من الجلسات النقاشية والحوارية في إطار الحوار المجتمعي حول السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية، من أجل الأخذ بمختلف الملاحظات من المتخصصين، وإضافة المخرجات الخاصة بالمؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية لعام 2025، من أجل الوصول للنسخة متضمنة مختلف الملاحظات حول الفصول الخمسة للسردية الوطنية للتنمية الاقتصادية.