الولايات المتحدة الخاسر الأكبر من قرار زيادة تكلفة تأشيرة العمالة الماهرة مقارنة بالهند

تابعت أعداد غفيرة من الهنود، وبترقب شديد، آخر مستجدات البيت الأبيض بشأن تأشيرات “إتش-1بي”، وذلك عقب إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عن نيته رفع رسوم هذه التأشيرات إلى مستوى غير مسبوق، يصل إلى 100 ألف دولار.

أثار هذا القرار التنفيذي، الذي ضاعف قيمة تأشيرات العمالة الماهرة بما يقارب الخمسين ضعفًا، صدمة واسعة النطاق في قطاع التكنولوجيا العالمي، مخلفًا حالة من الذهول والارتباك.

وفي أعقاب هذا الإعلان، سارعت الشركات في وادي السيليكون إلى مطالبة موظفيها بعدم مغادرة البلاد، بينما تهافت العمال الأجانب على حجز تذاكر السفر إلى الولايات المتحدة، وانكب محامو الهجرة على تحليل تفاصيل القرار التنفيذي.

ولتهدئة حدة التوتر، أصدر البيت الأبيض توضيحًا في اليوم التالي، أكد فيه أن الرسوم الجديدة ستقتصر على المتقدمين الجدد للحصول على التأشيرة للمرة الأولى، وأنها ستفرض لمرة واحدة فقط.

لطالما كان برنامج تأشيرات “إتش-1بي”، الذي مضى عليه ثلاثة عقود، محل جدل، إذ يرى البعض أنه يقلل من فرص العمل المتاحة للأمريكيين، بينما يشيد به آخرون لدوره في استقطاب الكفاءات الماهرة من جميع أنحاء العالم.

ويبقى مصير برنامج تأشيرات “إتش-1بي” معلقًا في ظل هذه التطورات الأخيرة.

في ظل هذه التعديلات، يبدو أن حلم الهجرة إلى أمريكا، الذي راود ملايين الهنود، قد بدأ يتبدد بعد ثلاثة عقود من الازدهار، قدمت خلالها العقول والمواهب الهندية إسهامات جليلة للصناعات الأمريكية.

لا شك أن هذه التأشيرات عادت بالنفع على كلا البلدين، فقد كانت بالنسبة للهنود، وسيلة لتحقيق طموحاتهم، والارتقاء إلى الطبقة المتوسطة بفضل الرواتب التي يتقاضونها بالدولار، أما بالنسبة للولايات المتحدة، فقد كانت هذه التأشيرات بمثابة شريان يمد المعامل والمختبرات والمستشفيات والشركات الناشئة بأصحاب الكفاءات المتميزة.

واليوم، يتولى قادة من أصول هندية مناصب قيادية في شركات عملاقة مثل غوغل ومايكروسوفت وآي بي إم، كما يشكل الأطباء الهنود نسبة كبيرة من القوى العاملة في القطاع الطبي بالولايات المتحدة.

يستحوذ الهنود على الحصة الأكبر من تأشيرات “إتش-1بي”، حيث تجاوزت نسبتهم 70% في السنوات الأخيرة، يليهم الصينيون في المرتبة الثانية بنسبة تقارب 12%.

ويتجلى الوجود الهندي بقوة في عالم التكنولوجيا، فتشير إحصائيات عام 2015 إلى أن أكثر من 80% من الوظائف في مجال الحاسوب يشغلها هنود، وهي نسبة لا تزال ثابتة بحسب مصادر مطلعة.

وفي القطاع الطبي، حصل أكثر من 8,200 هندي على تأشيرات “إتش-1بي” للعمل في المستشفيات ومجال الطب العام والجراحة، وتعتبر الهند أكبر مصدر للأطباء الدوليين، حيث تبلغ نسبتهم 22%.

تأثير القرار على الأجور والتوظيف

يرى الخبراء أن قرار ترامب برفع تكلفة التأشيرات إلى 100 ألف دولار غير قابل للتطبيق، ففي عام 2023، بلغ متوسط الأجور للحاصلين الجدد على تأشيرة “إتش-1بي” 94 ألف دولار، مقارنة بـ 129 ألف دولار متوسط أجور نظرائهم القدامى.

وبما أن القرار يستهدف القادمين الجدد، فإن معظمهم لن يتمكن من تحمل قيمة الرسوم حتى لو خصصوا كامل دخلهم لها، وفقًا للخبراء.

وفي حديث لبي بي سي، صرح جيل غويرا، المحلل المختص بسياسة الهجرة في مركز نيسكانين، بأن “تطبيق القرار الجديد على الحاصلين الجدد على تأشيرة ‘إتش-1بي’ سيؤدي على الأرجح إلى نقص في العمالة داخل الولايات المتحدة على المدى المتوسط والطويل، وليس على المدى القصير”.

الآثار المحتملة على الهند والولايات المتحدة

قد تتأثر الهند بتبعات القرار قبل الولايات المتحدة، لكن الأخيرة ستتحمل الأثر الأعمق على المدى الطويل، بحسب المحللين.

واستباقًا لهذا السيناريو، قامت مؤسسات هندية عملاقة مثل “تي سي إس” و “إنفوسيس” بتدشين قوى عاملة محلية وتوجيه المتعاقدين للداخل.

وتشير إحصائيات مركز بيو للدراسات إلى أن الهنود يمثلون حوالي 70% من حاملي تأشيرة “إتش-1بي”، ولكن ثلاثة فقط من بين أكبر عشرة أرباب عمل لهؤلاء الهنود لديهم علاقات مع الهند في عام 2023، مقارنة بستة من عشرة في عام 2016.

يواجه قطاع تكنولوجيا المعلومات في الهند، الذي تقدر قيمته السوقية بنحو 283 مليار دولار، تحديًا كبيرًا، خاصةً مع اعتماده على إرسال العمالة الماهرة إلى الولايات المتحدة، وهو ما يدر عليه أكثر من نصف عائداته.

تداعيات القرار على المشاريع المحلية ونماذج التوظيف

يعتقد القائمون على هيئة صناعة تكنولوجيا المعلومات الهندية “ناسكوم” أن زيادة تكلفة تأشيرة “إتش-1بي” قد “تعطل استمرار العمل في مشاريع محلية بعينها”.

ومن المتوقع أن يلجأ العملاء إلى إعادة التسعير أو تأجيل المشاريع، ريثما تتضح الصورة القانونية للقرار الجديد، بينما قد تعيد الشركات التفكير في نماذج التوظيف، والتحول إلى العمل الخارجي وتقليص الأدوار المحلية.

ويرجح أديتيا نارايان ميشرا، من شركة سييل إتش آر المتخصصة في التوظيف، أن تقوم الشركات الهندية بتحميل عملائها الأمريكيين الزيادات الطارئة على ثمن التأشيرة.

ويضيف أديتيا: “في ظل إحجام أرباب العمل عن الالتزام بالتكاليف الضخمة للكفالة، فقد نشهد إقبالًا أكبر على التعاقد عن بعد، وإلى مراكز تشغيل خارجية وإلى العاملين بعقود مؤقتة”.

تأثير أوسع نطاقًا على الولايات المتحدة

قد يكون الأثر الأوسع نطاقًا على الولايات المتحدة جراء هذا القرار التنفيذي وخيمًا، فمن المتوقع أن تشهد المستشفيات نقصًا في عدد الأطباء، وتجد الجامعات صعوبة في استقطاب طلاب العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، كما ستعاني الشركات الناشئة بقوة جراء غياب الموظفين ذوي الكفاءات العالية.

ويوضح ديفيد جيه بير، مدير دراسات الهجرة في معهد كاتو، لبي بي سي، أن “الارتفاع الكبير في تكلفة تأشيرات ‘إتش-1بي’ سيضطر الشركات الأمريكية إلى إجراء تغيير جذري في سياساتها الخاصة بالتوظيف، وقد تحظر الشركات استقدام مؤسسين ورؤساء تنفيذيين لإدارة شركات في داخل الولايات المتحدة”.

ويرى ديفيد بير أن ذلك من شأنه أن “يسدد ضربة مدمرة للابتكار والتنافسية في الولايات المتحدة”.

مخاوف الخبراء وتوقعاتهم

أعرب خبراء آخرون عن قلقهم بشأن هذه التداعيات المحتملة، ومن بينهم جيل غويرا، المحلل المختص بسياسة الهجرة في مركز نيسكانين، الذي توقع زيادة الطلب على العمال الجدد في مجالات مثل التكنولوجيا والطب في الولايات المتحدة.

ويضيف غويرا أنه “بالنظر إلى درجة التخصص التي تتطلبها هذه المجالات ومدى خطورتها، فإن النقص في أعداد العمال فيها، حتى وإن لم يستمر لسنوات طويلة، كفيل بأن يكون له تأثير خطير على اقتصاد الولايات المتحدة وعلى الرفاه الوطني”.

ويتابع: “بالإضافة إلى ذلك، قد يتطلع عمال هنود مهرة إلى وجهات أخرى غير الولايات المتحدة للدراسة الدولية، وهو ما سيترتب عليه تبعات تسلسلية على النظام الجامعي الأمريكي”.

تأثير القرار على الطلاب الهنود

سيكون الطلاب الهنود من بين الفئات الأكثر تضررًا من هذا القرار، حيث يمثلون ربع أعداد الطلاب الدوليين في الولايات المتحدة.

يقول سادهانشو كاوشيك، مؤسس رابطة الطلاب الهنود في أمريكا الشمالية، والتي تمثل 250 ألف عضو في عموم 120 جامعة، إن توقيت صدور القرار التنفيذي الخاص بزيادة تكلفة تأشيرة “إتش-1بي”، والذي يأتي بعد تسجيلات الالتحاق في سبتمبر، ترك العديد من القادمين الجدد في حالة من الذهول.

وأضاف كاوشيك لبي بي سي: “شعرت بما يشبه الهجوم المباشر، لأن الرسوم قد سددت بالفعل، لذا فإن هناك نفقات كبيرة لا يمكن استردادها، وها قد انسد الطريق الأكثر ربحية لدخول قوة العمل الأمريكية”.

ويتوقع كاوشيك أن يكون لهذا القرار التنفيذي تأثير على حصة الجامعات الأمريكية في العام المقبل، ذلك أن معظم الطلاب الهنود يفضلون البلد الذي يمكنهم أن يقيموا فيه بعد التخرج.

تحديات قانونية محتملة وتأثير طويل الأمد

حتى الآن، لا تزال التبعات الكاملة لقرار زيادة تكلفة تأشيرة “إتش-1بي” غير معلومة، ويتوقع محامون متخصصون بقضايا الهجرة أن يواجه قرار ترامب التنفيذي تحديات قانونية عاجلة.

يحذر جيل غويرا، من مركز نيسكانين، من أن سياسة تأشيرة “إتش-1بي” قد تترتب عليها آثار سلبية على الولايات المتحدة، على أن الأمر قد يستغرق وقتًا حتى تظهر هذه الآثار.

ويوضح غويرا: “من المحتمل أن تجد شركات مثل أمازون وأبل وغوغل وميتا طريقة ما للإعفاء من سياسة رسوم ‘إتش-1بي’، وفي حال إعفاء جميع هذه الشركات، وهي من كبار مستخدمي تأشيرة ‘إتش-1بي’، فإن ذلك يمثل ضربة في الصميم للغرض من فرض الرسوم”.

الاقتصاد الأمريكي على المحك

بعد انقشاع الغبار وتهدئة العاصفة، سيتضح أن قرار تأشيرة “إتش-1بي” هو بمثابة اختبار لقدرة الشركات الأمريكية والاقتصاد الأمريكي على التحمل أكثر منه ضريبة على العمال الأجانب، فحاملو تأشيرة “إتش-1بي” وعائلاتهم يساهمون بنحو 86 مليار دولار سنويًا في الاقتصاد الأمريكي، بما في ذلك 24 مليار دولار ضرائب فيدرالية على الرواتب، و11 مليار دولار ضرائب حكومية ومحلية.

ويبقى أن نرى كيف ستستجيب الشركات لهذا القرار، وما إذا كانت الولايات المتحدة ستواصل ريادتها في مجال الابتكار والمواهب، أم أنها ستتنازل عن هذه الريادة لصالح دول أخرى أكثر ترحيبًا.

جدول مقارنة بين متوسط الأجور للحاصلين على تأشيرة H-1B

الفئة متوسط الأجور (2023)
الحاصلين الجدد على تأشيرة H-1B 94,000 دولار
الحاصلين القدامى على تأشيرة H-1B 129,000 دولار