بعد أكثر من عام من المفاوضات المعقدة، يبدو أن الولايات المتحدة والصين تقتربان من حل لأزمة “تيك توك”، وذلك من خلال اتفاق محتمل لنقل عمليات المنصة في أمريكا إلى تحالف تقوده شركة البرمجيات العملاقة “أوراكل”. إذا تم إتمام هذه الصفقة، فإنها ستمثل خطوة مهمة نحو تهدئة التوترات في العلاقات بين البلدين، والتي تعقدت بسبب ملفات أخرى مثل التجارة.
بموجب قانون صدر في عهد الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، واجهت شركة “بايت دانس” الصينية المالكة لتطبيق “تيك توك” خيارين لا ثالث لهما: إما بيع التطبيق في الولايات المتحدة، أو مواجهة حظر كامل. كان الموعد النهائي الأولي هو يناير الماضي، لكن الرئيس دونالد ترامب مدد هذا الموعد عدة مرات بعد عودته إلى السلطة، وكان آخرها تمديد حتى 16 ديسمبر.
وفقًا للمتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت، فإن اتفاقية التخارج المطروحة حاليًا تهدف إلى جعل “تيك توك” مملوكًا بأغلبية أمريكية وتحت سيطرة أمريكية. ومع ذلك، لم يتم الكشف عن التفاصيل الدقيقة للاتفاقية حتى الآن، بحسب تقرير لوكالة بلومبرغ.
تعتبر هذه الصفقة مصيرية بالنسبة لشركة “بايت دانس”، الشركة الصينية الناشئة التي تقدر قيمتها بنحو 400 مليار دولار، وتعتبر الأكثر قيمة بين الشركات الخاصة في الصين. قبل أن يُنظر إليه على أنه تهديد للأمن القومي، كان “تيك توك” يحظى بشعبية واسعة في أمريكا، حيث بلغ عدد مستخدميه حوالي 170 مليون مستخدم.
بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يكون لهذه الصفقة تأثير كبير على المشهد العام لوسائل التواصل الاجتماعي في الولايات المتحدة، حيث تتنافس شركات كبرى مثل “ميتا” و”ألفابت” على حصة أكبر في السوق. وتفيد تقارير صحفية بأن الرئيس ترامب يعتزم إصدار أمر تنفيذي هذا الأسبوع للموافقة على الصفقة.
من سيمتلك تيك توك في أمريكا؟
بعد مكالمة هاتفية جمعت بين الرئيس ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ في 19 سبتمبر، أشاد ترامب بالتقدم المحرز نحو إتمام الصفقة، مشيرًا إلى أن الرئيس الصيني وافق على بيع عمليات “تيك توك” في الولايات المتحدة. في المقابل، لم تصدر وزارة الخارجية الصينية إعلانًا رسميًا بالموافقة النهائية، لكنها دعت إلى معاملة عادلة للمصالح الصينية.
تشير الشروط المتداولة إلى أن عمليات “تيك توك” في الولايات المتحدة سيتم الاستحواذ عليها من قبل تحالف يضم شركة “أوراكل”، وشركة رأس المال الاستثماري “أندريسن هورويتز”، وشركة الاستثمار الخاص “سيلفر ليك مانجمنت”.
تلعب “أوراكل” حاليًا دورًا في تقديم الخدمات السحابية لتطبيق “تيك توك”، حيث تستضيف بيانات المستخدمين في الولايات المتحدة ودول أخرى. في حال إتمام الصفقة، ستتولى “أوراكل” دورًا محوريًا في توفير الأمن لـ “تيك توك”، وستقوم بمراقبة التطبيق بالتعاون مع الحكومة الأمريكية لضمان سلامته.
في تصريح لقناة فوكس نيوز، ألمح ترامب إلى أن رئيس مجلس إدارة فوكس كورب، لاكلان مردوخ، ووالده روبرت مردوخ، يشاركان أيضًا في عملية الاستحواذ. كما ذكر ترامب اسم لاري إليسون، رئيس مجلس إدارة أوراكل، ومايكل ديل، رئيس مجلس إدارة شركة ديل.
تتضمن الخطة المقترحة أن يمتلك الأميركيون ستة من أصل سبعة مقاعد في مجلس إدارة “تيك توك” الولايات المتحدة، على أن يكون لديهم مؤهلات في مجال الأمن القومي والأمن السيبراني. أما المقعد المتبقي، فسوف تختاره “بايت دانس”، مع استبعاده من لجنة الأمن.
حتى الآن، لم يتم الكشف عن تفاصيل كثيرة حول دور “بايت دانس” في ظل الإطار الجديد. لكن، للامتثال لقانون الولايات المتحدة لعام 2024، يجب أن تنخفض حصة الشركة في “تيك توك” إلى أقل من 20%.
لا تزال التفاصيل المتعلقة بالتكلفة المرتبطة بأكثر أعمال “بايت دانس” ربحية خارج الصين غير واضحة. ومع ذلك، فقد قُدّرت قيمة “تيك توك” بما يتراوح بين 35 و40 مليار دولار، مع الأخذ في الاعتبار أن تقييمات التكنولوجيا شهدت ارتفاعًا ملحوظًا مع ظهور طفرة الذكاء الاصطناعي.
كيف ستؤثر هذه الصفقة على مستخدمي تيك توك في أميركا؟
وفقًا لتقارير بلومبرغ، سيستمر “تيك توك” في العمل في الولايات المتحدة بشكله الحالي حتى يتم الانتهاء من الاتفاق. وعندها سيتم إيقافه في البلاد وسينتقل المستخدمون إلى منصة جديدة.
لا تزال التفاصيل المتعلقة بهذه المنصة الجديدة التي سيتعين على ملايين المستخدمين الأميركيين، ومعظمهم من الشباب، الانتقال إليها غير واضحة حتى الآن.
ماذا سيحدث لخوارزمية تيك توك؟
يعود النجاح الكبير الذي حققه “تيك توك” إلى حد كبير إلى خوارزميته المتطورة، والتي تعمل على تزويد المستخدمين بالمحتوى الذي يتماشى مع أنشطتهم واهتماماتهم الحديثة.
بموجب الصفقة المقترحة، ستعيد “أوراكل” إنشاء نسخة جديدة من الخوارزمية خصيصًا للولايات المتحدة، وستتولى مسؤولية حمايتها. ووفقًا لمسؤول في البيت الأبيض، سيستأجر مالكو “تيك توك” الأميركي نسخة من الخوارزمية من “بايت دانس”، على أن تقوم “أوراكل” بإعادة تدريبها من الصفر.
أكد المسؤول أيضًا أن بيانات المستخدمين الأميركيين سيتم تخزينها في سحابة آمنة تديرها “أوراكل”، وسيتم وضع ضوابط صارمة لمنع وصول أي أطراف أجنبية معادية، بما في ذلك الصين.
بموجب هذه الشروط، لن تتمكن “بايت دانس” من الوصول إلى معلومات مشتركي “تيك توك” في الولايات المتحدة، ولن يكون لها أي سيطرة على الخوارزمية المستخدمة في أمريكا.
لمَ كل هذه الضجة حول تيك توك في أميركا؟
تشير بعض التقديرات إلى أن فرع “تيك توك” في الولايات المتحدة يُصنف ضمن أشهر منصات التواصل الاجتماعي في البلاد، وذلك بناءً على متوسط الاستخدام اليومي للتطبيق، مما يجعله منافسًا قويًا لمنصات مثل يوتيوب التابعة لألفابت وإنستغرام التابعة لميتا.
هذا المستوى العالي من التفاعل يجعل التطبيق جذابًا للغاية للمعلنين، الذين يسعون جاهدين للوصول إلى قاعدة المستخدمين الواسعة. في عام 2024، قاد “تيك توك” النمو العالمي في إيرادات “بايت دانس”، مما ساعد في تعويض التباطؤ الاقتصادي في الصين، وساهم في ارتفاع مبيعات الشركة الأم إلى 39 مليار دولار خلال العام.
الأهم من ذلك، وكما أكد الرئيس ترامب مرارًا وتكرارًا، هو تأثير “تيك توك” على فئة الشباب، وخاصةً جيل “Z”. بالإضافة إلى ذلك، فإن الإمكانات المستقبلية لفروع جديدة مثل متجر “تيك توك” لمنافسة عمالقة التجارة الإلكترونية مثل “أمازون” و”وول مارت” تجذب اهتمام المستثمرين.
لا يزال “تيك توك” يعتبر من أنجح المحاولات الخارجية لقطاع التكنولوجيا الصيني، الذي واجه في السنوات الأخيرة قيودًا متزايدة نتيجة للتوترات الجيوسياسية.