
في محافظة المنيا، وسط مشهد لم تشهده المنطقة منذ أعوام، اجتمع ما يقارب ثلاثة آلاف شخص من أهالي مركز مطاي وقرية داقوف التابعة لمركز سمالوط، لتشييع جثمان ثلاث شابات من خادمات الكنيسة، وهن ريموندا شكري، ميرنا يعقوب، ودينا أشرف، اللاتي لقبهن البعض بـ”عرائس السماء”، إثر رحيلهن المفاجئ في حادث مأساوي,
وسط هذا الحادث الأليم، تجسدت الوحدة الإنسانية بين أفراد المجتمع، ليؤكدوا على قوة الروابط التي تجمعهم في مواجهة الصعاب.
### مشهد مؤثر يوحد القلوب
في لحظات الحزن العميق، توحد المسلمون والمسيحيون، في مشهد يعكس تلاحم المجتمع وقوة الروابط الإنسانية التي تجمعهم، وتعالت أصوات أجراس الكنائس بنغمات حزينة، معلنة دخول قرية داقوف في حالة من الحداد، واختلطت الدموع بالصلوات في وداع بنات القرية اللواتي كرسن حياتهن للخدمة والمحبة, هذا التجمع المهيب لم يكن مجرد وداع، بل تعبيرًا عن التقدير العميق لما قدمته هؤلاء الشابات من عطاء وتفانٍ في خدمة مجتمعهن.
### كنيسة السيدة العذراء تحتضن صلاة الجنازة
انطلقت مراسم الجنازة من كنيسة السيدة العذراء والأمير تادرس الشطبي بقرية داقوف، بحضور روحي مكثف ترأسه نيافة الأنبا جوارجيوس، أسقف مطرانية مطاي للأقباط الأرثوذكس, وقد وصف الأنبا جوارجيوس الراحلات بـ “الخادمات الأمينات”، تقديرًا لعطائهن ومحبتهن التي تجلت في خدمة الكنيسة، وخاصة في رعاية الأطفال وتعليمهم, هذا التقدير الرفيع يعكس القيمة الكبيرة التي كانت تحظى بها هؤلاء الشابات في مجتمعهن,
### بعد روحي وتضامن مجتمعي
تتبع الكنيسة إداريًا مركز سمالوط، ولكنها تتبع كنسيًا لمطرانية مطاي، مما أضفى على الجنازة طابعًا مشتركًا بين أبناء المنطقتين، الذين شاركوا بأعداد كبيرة لتأكيد تضامنهم العميق مع أسر الفقيدات, هذا التضامن الواسع يعكس مدى الترابط الاجتماعي والروحي بين أفراد المجتمع الواحد,
### كلمات مؤثرة من الأنبا جوارجيوس
في كلمته المؤثرة خلال صلاة الجنازة، لم يتمالك الأنبا جوارجيوس دموعه وهو يتحدث عن الخادمات الثلاث، معبرًا عن حزنه العميق وفقدان الكنيسة لشبابها المتفاني، وقال:
* “كنا نفرح ببناتنا يوم زفافهن، فكيف لا نفرح اليوم وهن يدخلن فرح السماء؟”
* “لقد ذهبن وهن في قلب الخدمة، يمنحن وقتهن وطاقتهن لإسعاد الأطفال وخدمة الآخرين”
* “إن قلوبًا كهذه لا تموت، بل تحيا في المجد الأبدي”
كما أضاف نيافته أن الفتيات خدمن بمحبة وإخلاص حتى اللحظات الأخيرة، مؤكدًا أن الله لا ينسى من يكرسون حياتهم في سبيل العطاء, ووجه رسالة تعزية قوية لعائلات الراحلات ولشعب الكنيسة، قائلاً إن “عزاء السماء أعظم من كل تعزية بشرية”, ودعا بالشفاء العاجل للمصابين الآخرين في الحادث، مؤكدًا أن الألم الأرضي يقابله مجد سماوي لمن بذلوا بمحبة صادقة,
### قرية داقوف تودع بناتها
في مشهد مهيب، امتد موكب الجنازة في شوارع قرية داقوف، حيث خرج الأهالي عن بكرة أبيهم لتوديع بناتهم وسط حزن عميق, وقد سيطرت مشاعر الإجلال والتقدير على الحضور، الذين عبروا عن فخرهم بما قدمته الشابات الثلاث طوال سنوات خدمتهن,
أكد الأهالي أن فقدان ريموندا، ميرنا، ودينا، ليس مجرد فقد لأشخاص، بل فقد لأرواح محبة وقلوب نقية خدمت بصدق, وأشاروا إلى أن ذكراهن ستظل خالدة في وجدان القرية، ومنارة تضيء للأجيال القادمة معنى العطاء الحقيقي, هذا الوداع الحاشد يعكس المكانة الرفيعة التي كانت تحتلها هؤلاء الشابات في قلوب أهل قريتهن.
في الختام، جسد هذا الحدث الأليم وحدة إنسانية وروحية نادرة، حيث تلاقت الدموع والصلوات متجاوزة الاختلافات الدينية والمكانية، لتوديع ثلاث خادمات رحلن باكرًا، لكنهن تركن بصمة لا تمحى في قلوب الجميع.