«ضرورة استراتيجية» رئيسة التجارة الأميركية تدعو تايوان للمساهمة في تحقيق الاكتفاء الذاتي لإنتاج الرقائق بأمريكا

تسعى إدارة ترامب جاهدةً لإعادة هيكلة صناعة الرقائق الإلكترونية العالمية، من خلال الضغط على تايوان لنقل استثماراتها وقدراتها الإنتاجية إلى الأراضي الأميركية، بهدف تحقيق طموح جريء: تصنيع نصف الرقائق الإلكترونية المستخدمة في أمريكا محليًا.

كشف وزير التجارة الأميركي، هوارد لوتنيك، في مقابلة مع شبكة “نيوز نيشن”، عن مناقشات جارية مع تايوان بشأن إعادة توزيع إنتاج أشباه الموصلات بنسبة “50-50″، وهي خطوة استراتيجية تهدف إلى تقليل اعتماد الولايات المتحدة الكبير على تايوان في هذا المجال الحيوي، بحسب تصريحاته.

وأشار لوتنيك إلى أن تايوان تهيمن حاليًا على إنتاج أكثر من 90% من أشباه الموصلات المتقدمة في العالم، وهو وضع يثير قلقًا بالغًا لواشنطن، نظرًا للموقع الجغرافي لتايوان، وقربها من الصين، في ظل التوترات الجيوسياسية المتزايدة.

هدف الإدارة الأميركية: نقل صناعة الرقائق إلى الداخل

أكد لوتنيك على أن الهدف الأساسي للإدارة الأميركية هو نقل صناعة الرقائق إلى الداخل بشكل كبير، مشددًا على ضرورة أن تكون الولايات المتحدة قادرة على تصنيع رقائقها بنفسها، لتعزيز الأمن القومي والاستقلال الاقتصادي، هذا ما تسعى إليه الولايات المتحدة.

وأضاف لوتنيك: “الفكرة التي طرحتها على تايوان هي: لنصل إلى نسبة 50-50، نحن ننتج النصف، وأنتم تنتجون النصف الآخر”، وهو اقتراح يهدف إلى تحقيق توازن استراتيجي في إنتاج الرقائق بين البلدين.

يسعى لوتنيك إلى تحقيق هدف طموح، وهو الوصول إلى حوالي 40% من إنتاج أشباه الموصلات المحلي بحلول نهاية ولاية الرئيس ترامب الحالية، وهو ما يتطلب استثمارات محلية ضخمة تتجاوز 500 مليار دولار، وفقًا لتقديراته، وتعتبر هذه الاستثمارات ضرورية لتحقيق هذا الهدف الطموح.

هيمنة تايوان على إنتاج الرقائق: دور TSMC

تعود هيمنة تايوان على إنتاج الرقائق إلى شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات (TSMC)، التي تعتبر أكبر شركة لتصنيع الرقائق التعاقدية وأكثرها تطورًا في العالم، وتلعب دورًا حيويًا في إنتاج الرقائق للشركات التكنولوجية الأميركية العملاقة مثل “إنفيديا” و”أبل”، مما يجعلها حجر الزاوية في هذه الصناعة، ويعزز مكانة تايوان كقوة عالمية في هذا المجال.

يعتقد الكثيرون أن مكانة تايوان المحورية في إنتاج الرقائق العالمية قد ضمنت لها حماية من أي عمل عسكري مباشر من الصين، وهي فكرة يشار إليها غالبًا بنظرية “درع السيليكون”، التي تفترض أن الأهمية الاقتصادية لتايوان تجعلها بمنأى عن أي تهديدات عسكرية، لكن هذا الاعتقاد يواجه تحديات متزايدة في ظل التوترات الجيوسياسية الحالية.

في المقابل، قلل لوتنيك من أهمية “درع السيليكون” في مقابلته مع “نيوز نشن”، وجادل بأن تايوان ستكون أكثر أمانًا مع إنتاج رقائق أكثر توازناً بين الولايات المتحدة وتايوان، مما يشير إلى رؤية مختلفة حول كيفية حماية تايوان وتعزيز أمنها القومي، وتعتبر وجهة نظره هذه جزءًا من النقاش الدائر حول مستقبل تايوان وعلاقاتها مع الولايات المتحدة والصين.

وقال لوتنيك: “كانت حجتي لهم: حسنًا، إذا كان لديكم 95% من إنتاج الرقائق، فكيف سأتمكن من حمايتكم؟ هل ستنقلونها على متن طائرة؟ أم ستنقلونها على متن قارب؟”، معبرًا عن شكوكه حول قدرة الولايات المتحدة على حماية تايوان في ظل هذا التركيز الشديد للإنتاج في تايوان.

وأكد لوتنيك أنه بموجب خطة 50-50، ستظل أميركا “معتمدة بشكل أساسي” على تايوان، لكنها ستمتلك القدرة على “فعل ما يلزم، إذا لزم الأمر”، مضيفًا أن هذه الخطة تهدف إلى تحقيق توازن بين الاعتماد المتبادل والقدرة على الاستجابة للأزمات المحتملة، وتعتبر هذه المرونة ضرورية في ظل التحديات الجيوسياسية المتزايدة.

“المزيد مقابل الدفاع”: رؤية ترامب للعلاقات مع تايوان

في العام الماضي، صرّح ترامب، المرشح الرئاسي آنذاك، في مقابلة بأن على تايوان أن تدفع للولايات المتحدة مقابل الدفاع، واتهمها بـ”سرقة” تجارة الرقائق الأميركية، وهو تصريح يعكس رؤيته للعلاقات بين البلدين، ويطرح تساؤلات حول مستقبل هذه العلاقات في ظل الإدارة الأميركية الحالية.

تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة كانت رائدةً في سوق أشباه الموصلات العالمي، لكنها فقدت حصتها السوقية بسبب تحولات الصناعة وظهور عمالقة آسيويين مثل “TSMC” و”سامسونغ”، مما أدى إلى تغييرات كبيرة في المشهد العالمي لصناعة الرقائق، وزيادة المنافسة بين الشركات والدول.

بدأت “TSMC” في بناء منشآت تصنيع في الولايات المتحدة منذ عام 2020، وتواصل زيادة استثماراتها في البلاد، مما يعكس التزامها بتوسيع نطاق عملياتها في السوق الأميركية، والمساهمة في تعزيز القدرات التصنيعية المحلية.

وقد أعلنت “TSMC” عن نيتها استثمار 100 مليار دولار إضافية في شهر مارس، ليصل إجمالي استثماراتها المخطط لها إلى 165 مليار دولار، وهو استثمار ضخم يعكس ثقتها في السوق الأميركية، ورغبتها في لعب دور أكبر في صناعة الرقائق في الولايات المتحدة، ويعزز التعاون الاقتصادي بين تايوان والولايات المتحدة.

في المقابل، اقترحت إدارة ترامب مؤخرًا فرض رسوم جمركية بنسبة 100% على أشباه الموصلات، لكنها أعلنت إعفاء الشركات التي تستثمر في الولايات المتحدة من الرسوم، وهو إجراء يهدف إلى تشجيع الشركات على الاستثمار في الولايات المتحدة، وتعزيز القدرات التصنيعية المحلية، وتحفيز النمو الاقتصادي.

ولا تزال الولايات المتحدة وتايوان في مفاوضات تجارية من المرجح أن تؤثر على معدلات الرسوم الجمركية المفروضة على الشركات التايوانية، وتعتبر هذه المفاوضات حاسمة لتحديد مستقبل العلاقات التجارية بين البلدين، وتأثيرها على صناعة الرقائق العالمية، وتشكل جزءًا من الجهود المستمرة لتعزيز التعاون الاقتصادي، وحل النزاعات التجارية، وضمان بيئة تجارية عادلة ومستدامة.