
في أعماق مياه البحر الكاريبي، وبعيدًا عن الأنظار قبالة سواحل كوبا، يختبئ لغز أثري ينتظر الحل، وهو قادر على تغيير فهمنا لتاريخ الحضارات البشرية، وكيف بدأت رحلتها الطويلة
منذ ما يزيد عن عقدين، أثار فريق من المستكشفين ضجة كبيرة بإعلانه عن اكتشاف هياكل حجرية مبهمة، يُعتقد أنها أقدم من الأهرامات المصرية نفسها، حيث يعود تاريخها إلى أكثر من 6,000 عام، وذلك وفقًا لما ذكرته صحيفة ديلي ميل البريطانية
تركيا (في الصورة) بُني قبل آلاف السنين من الأهرامات المصرية، وفقًا للباحثين
واليوم، تعود قصة هذه “المدينة المفقودة” لتتصدر عناوين الأخبار ومواقع التواصل الاجتماعي، وسط ادعاءات مثيرة تربطها بأسطورة أطلانتس الشهيرة، وتلميحات إلى وجود مؤامرة دولية لإخفاء حقائق قد تعيد كتابة التاريخ الإنساني من جديد
فهل نحن على أعتاب اكتشاف أثري هائل يقلب كل ما نعرفه عن علم الآثار رأسًا على عقب، أم أن هذه الهياكل الغامضة ليست سوى تشكيلات طبيعية أبدعتها عوامل التعرية على مر العصور، التحقيقات في هذا الاكتشاف توقفت، لكن الأسئلة لا تزال تتردد في أذهان الكثيرين، وتثير فضولهم
التشكيك بوجود المدينة
أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى توقف الأبحاث هو استمرار الشكوك من جانب العديد من العلماء حول حقيقة وجود هذه المدينة الغارقة، حيث أشار بعضهم إلى أن غرق مدينة إلى هذا العمق يتطلب فترة زمنية طويلة جدًا، تقدر بنحو 50,000 عام على الأقل
بينما يرى آخرون أن هذه “الهياكل” ليست سوى تكوينات صخرية طبيعية، ويؤكدون أنه من غير المرجح أن تظل مدينة كاملة محفوظة بشكل جيد بعد غرقها نتيجة كارثة زلزالية مدمرة
ومع ذلك، عادت هذه الهياكل المهملة تحت الماء إلى دائرة الضوء مرة أخرى عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يزعم العديد من المستخدمين أن المستكشفين قد عثروا بالفعل على بقايا مدينة أطلانتس الأسطورية المفقودة
على الرغم من أن المشككين يرون أنها تكوينات صخرية طبيعية، إلا أن نصب يوناغوني (في الصورة) يتميز بشكل هرمي بدرجات مستقيمة بشكل مذهل تبدو وكأنها منحوته يدويًا
ولا يزال رواد وسائل التواصل الاجتماعي يتساءلون عن الأسباب التي أدت إلى التخلي عن استكشاف هذا الموقع الغامض، وما الذي يمكن أن يكون مخفيًا في أعماقه
وعلق أحد المستخدمين على منصة “إكس” قائلًا: “ربما كانت هناك حضارات ازدهرت قبل العصر الجليدي، وربما صعدت وسقطت حضارات أخرى لا نعرف عنها شيئًا، هناك الكثير من المعرفة التاريخية التي فُقدت أو تم إخفاؤها عمدًا”
وأضاف مستخدم آخر: “هناك الكثير من التاريخ المخفي الذي لم نكتشفه بعد، وهذا الأمر يثير فضولي بشكل لا يصدق، يبدو أن كل ما تعلمناه في الماضي قد يكون مجرد أكاذيب”
علماء يشككون
على الرغم من انتشار النظريات والتكهنات حول وجود مؤامرة أثرية لإخفاء الحقيقة، يرى العديد من العلماء أن هناك أسبابًا منطقية تدعو إلى الشك في أن “المدينة المفقودة في كوبا” ليست حقيقية
ففي عام 2002، أوضح الجيولوجي الكوبي مانويل إيتورالدي أن هذه الهياكل تقع على عمق كبير جدًا تحت الماء، مما يعني أن المنطقة كانت ستحتاج إلى فترة زمنية أطول بكثير من 6,000 عام لتغرق إلى هذا العمق، الذي يقارب نصف ميل، وذلك نتيجة لحركة الصفائح التكتونية
وإذا كانت هذه بالفعل مدينة غارقة استغرق غرقها حوالي 50,000 عام، فإن ذلك سيغير تمامًا فهمنا لتطور الحضارة الإنسانية، ويطرح أسئلة جديدة حول قدرات الإنسان القديم
ففي الوقت الحالي، يعتقد العلماء أن الإنسان العاقل (Homo sapiens) كان لا يزال يعيش كصياد وجامع ثمار قبل 50,000 عام، ولا يوجد أي دليل قاطع على أنه قام ببناء مجتمعات حضرية أو إنشاء مبانٍ متطورة في تلك الفترة