في عالمنا المعاصر، حيث الاتصال الرقمي هو القاعدة، أصبحت الهواتف الذكية جزءًا لا يتجزأ من حياتنا، لكن هذا الاعتماد المتزايد يثير تساؤلات حول تأثيره الحقيقي علينا.
في كتابها “أمة الهواتف الذكية”، تتناول “كايتلين ريغير”، الخبيرة في مجال الاستهلاك الرقمي، هذه العلاقة المعقدة التي تجمعنا بالشاشات، وتقدم استراتيجيات عملية لاستعادة السيطرة على حياتنا الرقمية من خلال الصدق والوعي والثقافة الرقمية.
اقرأ أيضا
- “نادي الرجال المملين” يقدم وصفة للسعادة والنجاح.
- حقيقة أم خرافة؟.. 3 أسرار للنجاح السريع.
تؤكد ريغير أننا جزء من “أمة الهواتف الذكية” شئنا أم أبينا، فكل شيء، من طلب سيارة أجرة إلى حجز تذاكر الطيران، وحتى العثور على شريك الحياة، أصبح ممكنًا بلمسة زر واحدة، وهو ما يجعلنا منغمسين في هذا العالم بشكل كبير.
صحيح أن البعض قد يفضل الابتعاد عن هذا العالم الرقمي، وقد ينجحون في ذلك، إلا أن التحدي يكمن في الإغراءات المستمرة، فالرسائل المبهجة والصور الجذابة على بعد لمسة واحدة تجعل التخلي عن الهاتف أمرًا صعبًا للغاية.
لكن هذا لا يعني الاستسلام للهواتف والسماح لها بالتحكم في حياتنا، ففي هذا العصر الرقمي، من الضروري أن نتذكر من هو القائد ومن هو التابع، فنحن أصحاب الهواتف، يجب أن نكون في المقدمة، بينما يجب أن تكون التطبيقات المذهلة، ولكن المزعجة، في المرتبة الثانية.
هذا ما تؤكده “كايتلين ريغير”، الأستاذة المساعدة في العلوم الإنسانية الرقمية بجامعة “يونيفرسيتي كوليدج” لندن، والتي اختارت لكتابها الجديد عنوانًا فرعيًا يوضح الهدف منه بشكل أكبر: “لماذا ندمن الشاشات وما يمكنك فعله حيال ذلك؟”، وذلك وفقًا لتقرير نشره موقع (positive) المتخصص في الأخبار الإيجابية.
الاعتراف بالواقع
توضح ريغير أن إدارة استخدامنا للهواتف أمر صعب ولكنه ضروري للغاية، فالإحصائيات في هذا المجال تبعث على القلق، فعلى سبيل المثال، يقضي الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و 8 سنوات في المملكة المتحدة أكثر من 3.5 ساعات يوميًا أمام الشاشات، وثلث هذا الوقت مخصص للألعاب، كما أن خُمس الأطفال في عمر السنتين يمتلكون جهازًا لوحيًا خاصًا بهم.
وتشير الإحصائيات أيضًا إلى أن 3 من كل 10 طلاب يستخدمون الذكاء الاصطناعي بانتظام في واجباتهم المدرسية، وذلك وفقًا لآبائهم، مما يعني أن الرقم الحقيقي قد يكون أعلى بكثير.
تدعو ريغير إلى التفكير العقلاني والمنطقي، مع التأكيد على أنها لا تنكر الواقع ولا تتعصب لرأي معين، ففي حين أن الكثيرين يشبهون الأجهزة الإلكترونية بالسجائر، إلا أنها تصر على وجود اختلاف جوهري بينهما، قائلة: “يمكننا أن نعيش بدون سجائر، ولكن التكنولوجيا أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياة معظمنا”.
لذلك، ترى ريغير أن الوقت قد حان لاستعادة السيطرة على حياتنا الرقمية، وعن كيفية تحقيق ذلك، تقول إن هذا هو السؤال الذي لم تتوقف الأمهات عن طرحه عليها، وتوضح أن هدفها من كتابها طموح وواضح: “أرغب في تغيير هذه الثقافة، أريد لأطفالي ألا يروا آباءهم يقدمون لهم الأجهزة اللوحية كوسيلة لإسكاتهم، بل أن يعتبروا هذا السلوك غريبًا وغير مقبول”.
خارطة طريق لاستعادة حياتك
يتناول كتاب “أمة الهواتف الذكية” جوانب متعددة، بدءًا من معايير الجمال غير الواقعية والمحتوى الإباحي، وصولًا إلى أدوات الرقابة الأبوية وتفاصيل قانون السلامة على الإنترنت، ومع ذلك، يمكن تلخيص الرسالة الأساسية للكتاب في ثلاث كلمات: الاعتراف، والاعتدال، والتوعية.
وكما هو الحال مع أي إدمان، فإن الصدق مع النفس هو نقطة البداية، فإذا كنا نستخدم هواتفنا بكثرة، فعلينا أن نعترف بذلك دون قسوة على أنفسنا، فكما توضح ريغير، فإن التطبيقات والخوارزميات في عالم الإعلانات “مُصممة خصيصًا لجذبنا وإبقائنا في قبضتها”.
بعد الاعتراف، يأتي دور وضع الحدود وتطوير عادات صحية، وهذا لا يعني اللجوء إلى التقشف الرقمي المفرط، بل يقتضي تحديد ما يناسبك وما لا يناسبك، ووضع خطة لتنفيذه.
النصيحة الأساسية التي تقدمها ريغير هي التركيز على الجودة، لا الكمية، وهذا لا يقلل من أهمية الكم، فالإفراط في أي شيء نادرًا ما يكون صحيًا، ولكن، كما في عالم الغذاء، يمكن للجودة أن تحدث فرقًا كبيرًا، فساعة تقضيها في مشاهدة فيلم وثائقي ومناقشته مع أطفالك، كما تقترح ريغير، هي أكثر إثراءً بكثير من 15 دقيقة من التصفح المدمر الذي يولّد الكآبة.
يتطلب التركيز على الجودة إرادة واعية، فنحن مبرمجون على الانجذاب للعناوين الرنانة، تمامًا كما تنجذب حواسنا للوجبات السريعة، وإذا لم نكن على وعي بذلك، فسوف تظل هذه العناوين تجذبنا، والأمر نفسه ينطبق على أطفالنا.
أما النقطة الأخيرة التي تطرحها ريغير، فهي ضرورة أن نكون أكثر وعيًا بأساليب عمالقة وسائل التواصل الاجتماعي، فقد نحب منتجاتهم، ولكنهم ليسوا أصدقاءنا، فعملاؤهم الحقيقيون هم المعلنون، ووقتنا واهتمامنا هما السلعة التي يجنون منها الأرباح.
نصائح للتحكم في الحياة الرقمية
- حدّد سقفًا يوميًا: ضع حدًا زمنيًا يوميًا لتطبيقاتك الأكثر استخدامًا والتزم به.
- تحكم في محيطك: قم بإيقاف تشغيل إشعارات التطبيقات المزعجة، واختر خاصية “دائمًا” للأشخاص الذين يضيفون السعادة لحياتك.
- تجنب الألوان الجذابة: اجعل شاشتك بالأبيض والأسود لتبقى واعيًا بخصائصها الإدمانية.
- قم بالتنظيف الرقمي: انقل تطبيقات التواصل الاجتماعي بعيدًا عن شاشتك الرئيسية، أو تخل عنها تمامًا وقرر الوصول إليها فقط عبر متصفح.
- ضع ضوابط أبوية: ضع حدودًا على مستوى مزود الإنترنت، وكذلك للأجهزة الفردية لعائلتك.