في سابقة عالمية، اتخذت أستراليا قراراً بحظر منصة “يوتيوب” على المراهقين دون سن السادسة عشرة، وذلك ضمن إطار جهود وطنية ترمي إلى حماية الصحة النفسية للأطفال من التأثيرات السلبية المحتملة لاستخدام الإنترنت، وهي خطوة تهدف إلى تعزيز بيئة رقمية أكثر أماناً لجيل المستقبل، مع الأخذ في الاعتبار المخاطر والتحديات المتزايدة التي تفرضها المنصات الرقمية على الشباب.
الخلافات والاعتراضات
أثار هذا القرار جدلاً واسعاً، خاصةً مع اعتراض شركة غوغل، المالكة لمنصة “يوتيوب”، والتي أكدت أن منصتها لا تندرج تحت تصنيف شبكات التواصل الاجتماعي، وترى غوغل أن “يوتيوب” يمثل منصة فيديو تعليمية وترفيهية، ولا ينبغي معاملتها بنفس طريقة الشبكات الاجتماعية الأخرى.
أسس القرار الحكومي
تستند الحكومة الأسترالية في قرارها إلى بيانات رسمية كشفت أن “يوتيوب” يحتل صدارة المنصات التي يتعرض فيها القاصرون لمحتوى ضار، حيث أفاد 37% من المستخدمين المراهقين بتعرضهم لمواد مقلقة، وفقاً لتقرير نشره موقع “phonearena”، وهو ما يؤكد الحاجة إلى تدخل حكومي لحماية الشباب من المحتوى غير المناسب.
بداية المبادرة وتطورها
انطلقت المبادرة من ولاية جنوب أستراليا، حيث اتخذت السلطات المحلية خطوات جادة للحد من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بين الأطفال والمراهقين، وذلك بتحفيز من كتاب “الجيل القلق” للبروفيسور جوناثان هايدت، مما أدى إلى تسليط الضوء على هذه القضية بشكل أكبر.
بعد مرور بضعة أشهر، تحولت المبادرة إلى قضية وطنية حظيت بدعم من رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز، مما يعكس الاهتمام المتزايد بأهمية حماية الأطفال من مخاطر الإنترنت على مستوى البلاد.
خطة التنفيذ والتأخير
في نوفمبر 2024، أعلنت الحكومة عن عزمها تطبيق حظر على وسائل التواصل الاجتماعي لمن هم دون السادسة عشرة، على أن يبدأ التنفيذ في ديسمبر 2025، بعد فترة تجريبية انطلقت في يناير الماضي، وكان الهدف من هذه الفترة التجريبية تقييم تأثير الحظر وتحديد أفضل السبل لتنفيذه.
في البداية، لم يكن “يوتيوب” مشمولاً بالحظر نظراً لاستخدامه التعليمي الواسع النطاق، ومع ذلك، فقد تغير هذا الوضع لاحقاً بسبب الضغوط المتزايدة من هيئة تنظيم سلامة الإنترنت، مما أدى إلى إعادة النظر في قرار استثناء “يوتيوب” من الحظر.
لاحقاً، ومع تزايد الضغوط من هيئة تنظيم سلامة الإنترنت، تقرر إدراج “يوتيوب” في قائمة الحظر، وهو ما يعكس التوجه نحو تشديد الرقابة على المنصات الرقمية لحماية الأطفال والمراهقين.
بموجب هذا القرار، لن يتمكن المراهقون من إنشاء حسابات جديدة على المنصة أو التفاعل من خلالها، بينما سيُسمح للمعلمين وأولياء الأمور باستخدامها في بيئات خاضعة للإشراف، مما يضمن استخداماً آمناً ومراقباً للمحتوى.
دفاع غوغل عن “يوتيوب”
من جانبها، دافعت “غوغل” عن منصتها، وأكدت في بيان رسمي أن “يوتيوب ليس منصة تواصل اجتماعي، بل هو مكتبة ضخمة من الفيديوهات المجانية عالية الجودة، ويُستخدم على نطاق واسع على شاشات التلفزيون”، وترى غوغل أن تصنيف “يوتيوب” كشبكة تواصل اجتماعي غير دقيق ومضلل.
إلا أن منتقدي “يوتيوب” يرون أن خوارزميات التوصية، وأقسام التعليقات، والتفاعل بين المستخدمين، تجعل المنصة مشابهة إلى حد كبير لشبكات التواصل الاجتماعي مثل “تيك توك” و”إنستغرام”، وهو ما يبرر إدراجها ضمن الحظر المفروض على هذه الشبكات.
التوتر بين الحكومة وشركات التكنولوجيا
تصاعد التوتر بين الحكومة الأسترالية وشركات التكنولوجيا العملاقة بعد الإعلان عن القرار، وانتشرت أنباء عن تهديد “يوتيوب” باتخاذ إجراءات قانونية، على الرغم من عدم تأكيد ذلك رسمياً، ويعكس هذا التوتر التحديات القانونية والتنظيمية التي تواجهها الحكومات في سعيها لتنظيم عمل المنصات الرقمية.
من جهتها، نفت وزيرة الاتصالات الأسترالية، أنيكا ويلز، أي تهديدات قانونية، مؤكدة أن “أولوية الحكومة الأولى هي سلامة الأطفال”، وهو ما يوضح تصميم الحكومة على المضي قدماً في تنفيذ الحظر بغض النظر عن التحديات المحتملة.
هذا القرار، الذي يُعد سابقة عالمية، قد يُعيد رسم العلاقة بين الأطفال والمنصات الرقمية، ويطرح تساؤلات جديدة حول حدود حرية الوصول إلى المحتوى في العصر الرقمي، ويفتح الباب أمام نقاش أوسع حول كيفية تحقيق التوازن بين حماية الأطفال وتعزيز الابتكار في مجال التكنولوجيا.