على مر التاريخ، لمع نجم العديد من المحتالين الذين جمعوا ثروات طائلة من خلال عمليات الخداع، ففي القرن الماضي، اشتهر فيكتور لوستغ، الذي انتحل صفة مسؤول حكومي، بخداعه للعديد من الأشخاص عن طريق إيهامهم بقدرته على بيع برج إيفل لهم، ولم يكتفِ بذلك، بل قام في الوقت نفسه بالاحتيال على آخرين، مدعيًا امتلاكه لآلة قادرة على طباعة النقود، كما شهدت تلك الفترة أيضًا صعود شارل بونزي، الذي ابتكر ما يعرف اليوم بـ “نظام بونزي” أو “الهرم المالي”، والذي استغل من خلاله عددًا كبيرًا من الضحايا، وفي العصر الحديث، استغل برنارد مادوف هذا النظام ذاته ليجني عشرات الملايين من الدولارات.
وإلى جانب هؤلاء المحتالين، تبرز شخصية الفرنسية تيريز هومبرت، التي نجحت في خداع العديد من الفرنسيين والبنوك، محققة بذلك ثروة ضخمة.
بداية القصة: احتيال في الأسرة
ولدت تيريز هومبرت عام 1855 في منطقة أوسون الفرنسية، لعائلة فقيرة، وخلال فترة شبابه، سعى والدها لشراء أرض زراعية عن طريق الاحتيال، حيث لجأ إلى الاقتراض، واهمًا الناس بأنه سيصبح ثريًا قريبًا بفضل ميراث ضخم كان ينتظره من أحد أقاربه المتوفين مؤخرًا، لكن القدر لم يمهله.
توفي والد تيريز هومبرت تاركًا وراءه ديونًا كبيرة عجزت العائلة عن سدادها، ومن هنا، أخذت تيريز على عاتقها مهمة الاحتيال على الناس لجني المال، وكان أول ضحاياها زوجها المستقبلي، فريدريك هومبرت، الذي كان يشغل منصب نائب، وهو ابن وزير العدل الفرنسي غوستاف هومبرت.
قبل زواجهما، أوهمت تيريز عائلة زوجها بأنها الوريثة الوحيدة لقريبتها الثرية التي كانت على وشك الموت، وأكدت لهم أن قريبتها تمتلك قصرًا وثروة طائلة، وعلى الرغم من انكشاف كذبها لاحقًا، إلا أن فريدريك قرر البقاء معها ومواصلة حياته، بل وشاركها في عمليات الاحتيال التي قادتها.
الخطة المحكمة: قصة الميراث الوهمي
تعتبر قصة تيريز هومبرت واحدة من أشهر عمليات الاحتيال في تاريخ فرنسا، ففي عام 1879، ادعت تيريز أنها حصلت على نسبة من ثروة مليونير أمريكي يدعى هنري روبرت كراوفورد، وذلك بعد أن أنقذت حياته عندما تعرض لسكتة قلبية أثناء سفره بالقطار، لكن الحقيقة كانت أبعد ما تكون عن ذلك.
أكدت المحتالة الفرنسية أنها تخوض معركة قضائية ضد أبناء أخ هنري روبرت كراوفورد، الذي ادعت وفاته، للحصول على حقها في الميراث، ولإضفاء مصداقية على قصتها، رفعت تيريز قضية ضد أبناء أخ كراوفورد، وقام أشقاؤها بانتحال صفة أبناء الأخ المذكورين، مما زاد الطين بلة.
لم تكتفِ بذلك، بل قامت تيريز بملاحقتهم في المحاكم، وحصلت أيضًا على وثيقة تثبت تنازلهم عن جزء من ثروتهم لصالحها، وذلك في إطار تسوية لإنهاء القضية، هكذا كانت تسير الأمور الظاهرية.
استغلت تيريز هذه الأحداث المزعومة للتنقل بين الأثرياء والبنوك، والحصول على قروض ضخمة، مستندة إلى قرب فوزها بقضية الميراث الوهمي، ولسداد ديونها المتراكمة، لجأت إلى اقتراض المزيد من الأموال من أشخاص آخرين، مما أدى إلى نشوء ما يشبه نظام بونزي.
السقوط المدوي: نهاية الحلم
بفضل الأموال الطائلة التي جمعتها من الاحتيال، اشترت تيريز وزوجها، المحامي الذي دافع عنها في قضيتها المزعومة، قصر فيف أو الواقع على نهر السين بالقرب من باريس، كما حظيت بمكانة اجتماعية مرموقة، ودعيت لحضور العديد من المناسبات وحفلات العشاء التي نظمها الأثرياء الفرنسيون.
استمرت عملية الاحتيال هذه لمدة 20 عامًا تقريبًا، قبل أن يقرر أحد القضاة فتح الخزينة الحديدية التي يفترض أنها تحتوي على وثائق الميراث، وذلك بعد صدور قرار قضائي، وكانت المفاجأة مدوية، حيث لم يعثر بداخل الخزينة سوى على قطعة نقدية واحدة من فئة “بنس”، يا لها من مفارقة.
بعد هذا الاكتشاف، تم القبض على الزوجين هومبرت، اللذين فرا من البلاد، في مدريد أواخر عام 1902، وبعد إعادتهما إلى فرنسا، حُكم عليهما بالسجن لمدة 5 سنوات فقط، وأثار هذا الحكم غضب الشارع الفرنسي والبنوك والمدينين الذين خسروا أموالهم، ووصفه الجميع بأنه حكم مخفف لامرأة نهبت ما يقارب 50 مليون فرنك فرنسي، هذه هي نهاية قصة تيريز هومبرت.