في تطور مقلق تشهده المؤسسات التعليمية الجزائرية، تحولت بعض الفصول الدراسية إلى ساحات للبث المباشر، حيث يقوم تلاميذ بتصوير أنفسهم عبر تطبيق “تيك توك” خلال الحصص، مع تعليقات ساخرة وتفاعل من المتابعين الذين يشجعونهم على “التكبيس” والاستمرار في الاستهزاء بالأساتذة.
انتشرت هذه المقاطع المصورة داخل المدارس المتوسطة والثانوية بسرعة كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي أثار صدمة واستياء واسعين في الأوساط التربوية وبين أولياء الأمور، واعتبر الكثيرون أن هذا السلوك يمثل “تدهورًا خطيرًا في هيبة المؤسسة التعليمية”، و”انحرافًا سلوكيًا غير مسبوق” لدى المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 11 و18 عامًا.
وعبر أحد المعلقين في تدوينة انتشرت على “فيسبوك” عن قلقه قائلًا: “لطالما سمعنا عن قيام التلاميذ بتصوير مقاطع أو التقاط صور داخل الفصول، ولكن أن يتحول الدرس إلى بث مباشر وسخرية علنية، فهذا بمثابة إعلان عن انهيار المنظومة التربوية”، فيما طالب آخر بـ “مصادرة الهواتف من التلاميذ عند دخولهم المدارس وتحميل الأولياء مسؤولية مراقبة سلوك أبنائهم”.
اختلالات هيكلية في المنظومة التعليمية
يرى المختص الاجتماعي والتربوي عمار بلحسن أن هذه الحوادث “ليست حالات فردية منعزلة، بل تعكس مظاهر سوء الإدارة والاكتظاظ داخل بعض المؤسسات التعليمية”، وأوضح في حديث للعربية.نت: “عندما يضم الفصل الواحد أكثر من 40 تلميذًا، وتفتقر المدرسة إلى التجهيزات اللازمة، يصبح من الصعب للغاية ضبط سلوك التلاميذ أو الحفاظ على الانضباط داخل الفصل”.
وأضاف أن “الاكتظاظ يؤثر سلبًا على التحصيل العلمي وعلى علاقة التلميذ بالمؤسسة، كما أنه يرهق الأساتذة ويضعف قدرتهم على التواصل الفعّال”، مشيرًا إلى أن مواجهة هذه الظواهر لا تقتصر على العقاب، بل تتطلب أيضًا “إصلاح بيئة المدرسة نفسها، وتحسين ظروف التعليم، وتوعية التلاميذ بمسؤوليتهم داخل الفضاء التربوي”.
إغراء الشهرة وضياع قيمة الانضباط
أكد ناصر جيلالي، عضو جمعية أولياء التلاميذ، أن “هذه الظاهرة، على الرغم من محدوديتها، تنذر بانزلاق خطير إذا لم يتم التعامل معها بسرعة”، وصرح لـ”العربية.نت”: “هذه الممارسات تغري المراهقين الذين يبحثون عن الشهرة والمال السهل عبر الإنترنت، دون إدراك لعواقب أفعالهم”.
وأشار إلى أن “بعض هؤلاء التلاميذ يعتقدون أن مقاطعهم المضحكة ستجلب لهم المتابعين أو العوائد المالية، لكنهم يغفلون عن أنهم ينتهكون القوانين الداخلية للمؤسسة، ويسيئون إلى سمعتها، وقد يعرضون أنفسهم حتى للمساءلة القانونية إذا قاموا بتصوير أساتذتهم دون الحصول على إذن مسبق”.
كما أوضح أن “الجمعية تعمل جاهدة على توعية أولياء الأمور بمخاطر الاستخدام غير المنضبط للهواتف الذكية، خاصة بين التلاميذ في سن المراهقة الذين يقضون ساعات طويلة على منصات مثل تيك توك وسناب شات”، مؤكدًا أن “الإدمان على هذه المنصات أصبح يمثل مشكلة تربوية واجتماعية متنامية”.
مشكلة ذات أبعاد متعددة
يرى بلحسن أن “التصدي لمثل هذه الظواهر يجب أن يتم على محورين متوازيين: الأول هو تحسين البيئة التعليمية وتخفيف الضغط على المؤسسات، والثاني هو تعزيز الوعي الرقمي لدى التلاميذ وتوعيتهم بأن الفضاء الافتراضي ليس منفصلاً عن الواقع، وأنه يترتب عليه مسؤوليات قانونية وأخلاقية”.
ويرى العديد من الخبراء أن ما حدث ليس مجرد تجاوز فردي، بل هو مؤشر على وجود خلل أعمق في العلاقة بين الجيل الجديد والمؤسسة التعليمية، ففي عصر تكنولوجيا الاتصال الفوري، تتداخل الرغبة في “الظهور والتميز” مع غياب الوعي والانضباط، مما يؤدي إلى ظهور سلوكيات من هذا القبيل.
كما أن انتشار هذه الظاهرة يطرح تساؤلات مهمة حول دور الأسرة والمدرسة في توجيه سلوك الأبناء، وتعزيز القيم الأخلاقية لديهم، فضلًا عن ضرورة وضع ضوابط لاستخدام التكنولوجيا الحديثة، بما يضمن تحقيق الاستفادة القصوى منها وتجنب مخاطرها المحتملة.