دراسة حديثة تكشف تأثيرًا محدودًا للذكاء الاصطناعي على سوق العمل الأمريكي

في دراسة معمقة ومثيرة للجدل أصدرتها جامعة Yale الأمريكية المرموقة يوم 4 أكتوبر الجاري، تم إجراء مسح شامل لسوق العمل بهدف تحديد وقياس تأثير دخول نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة، خاصة بعد الانتشار الواسع لـ ChatGPT ومنافسيه في الأعمال اليومية والمؤسسات المختلفة.

كشفت النتائج عن مفاجأة للكثيرين، حيث لم يشهد سوق الوظائف الأمريكي تغيرات جذرية وكبيرة في معدلات التوظيف، ولم تظهر موجات تسريح جماعية يمكن ربطها مباشرة بتبني تقنيات الذكاء الاصطناعي، وهو ما يتنافى مع التخوفات الكبيرة التي سادت قبل سنوات حول مستقبل العمل.

تغيرات بطيئة وتكيف تدريجي في سوق العمل

أوضحت الدراسة أن القطاعات التي تأثرت بشكل ملحوظ حتى الآن تتركز في خدمات اقتصادية محددة، مثل خدمة العملاء، وأعمال الترجمة، وبعض المهام الكتابية الروتينية والمتكررة، بينما ظلت القطاعات المهنية المتخصصة، كالهندسة، والرعاية الصحية، والتدريس، أقل تأثرًا، بل استفادت في كثير من الأحيان من دمج الذكاء الاصطناعي كأداة دعم قوية لا كبديل للطاقة البشرية المتفردة. وقد ربط الباحثون بين وتيرة هذا التأثير وعوامل ثقافية واقتصادية وديموغرافية متعددة، مما يجعل التحول أبطأ بكثير مما كان متوقعًا، ويشير إلى أن إعادة تشكيل بنية الوظائف بشكل أوسع قد تحتاج لسنوات أو حتى عقود قادمة.

فرص وتحديات مستقبلية للعمالة

أوصت الدراسة بضرورة ماسة لتطوير سياسات تعليمية جديدة ومبتكرة تركز على التدريب التقني المستمر، وتحفيز الابتكار والإبداع لدى القوى العاملة، إضافة إلى تشجيع المبادرات التي تجمع بين القدرات البشرية والتقنية الحديثة في حل المشكلات الكبرى والمعقدة، بدلاً من تصوير الذكاء الاصطناعي كتهديد صريح ومباشر للوظائف القائمة. وتبقى التوصية المركزية والأكثر أهمية أن الاقتصاد الرقمي لديه القدرة الكامنة على خلق فرص عمل جديدة ومبتكرة بالتزامن مع تغير أنماط العمل التقليدية، مما يستدعي وضع استراتيجية وطنية مرنة وشاملة لاستيعاب هذه التحولات بطريقة إيجابية ومستدامة تضمن الازدهار للجميع.