يُعد التعلق بين الطفل ووالديه ركيزة طبيعية وجوهرية لنموه العاطفي السليم، فهو يشكل الرابط الذي يمنحه الشعور بالأمان والثقة في استكشاف العالم من حوله. ومع ذلك، قد يتحول هذا التعلق الفطري أحيانًا إلى اعتماد مفرط على أحد الوالدين دون الآخر، مما يخلق تحديات واضحة في ديناميكية العلاقة الأسرية وتوازنها. في مثل هذه الحالات، من الضروري أن يمتلك الأهل وعيًا عميقًا بكيفية التعامل مع هذا النمط من التعلق بفعالية، لضمان عدم تأثيره سلبًا على استقلالية الطفل أو على الانسجام الأسري العام. إن فهم هذه الظاهرة لا يعني توجيه اتهام للطفل أو للوالد المفضل، بل يمثل خطوة أساسية نحو استيعاب العوامل المؤثرة والعمل على معالجتها بلطف وحكمة، لتعزيز نمو الطفل بشكل صحي ومتوازن.
أسباب التعلق المفرط عند الأطفال
وفقًا لما ذكره موقع “talk third space”، تتنوع العوامل التي قد تدفع الطفل نحو التعلق الزائد بأحد الوالدين. قد يكون السبب في ذلك ما يُعرف بـ”المحاباة”، حيث يستشعر الطفل أن أحد الوالدين أقرب إليه عاطفيًا أو أكثر تفهمًا لاحتياجاته. تلعب أنماط التربية دورًا محوريًا أيضًا؛ فالحماية المفرطة أو التساهل الزائد قد يعززان هذا الارتباط غير المتوازن. أحيانًا، يكون هذا التعلق ناتجًا عن تغيرات عائلية كبرى، مثل الطلاق أو الانتقال إلى مكان سكن جديد، حيث يبحث الطفل عن مصدر إضافي للاستقرار والأمان. بالإضافة إلى ذلك، قد تساهم العوامل النفسية، مثل القلق أو المرور بتجارب صعبة، في دفع الطفل للتشبث بالوالد المفضل بشكل مبالغ فيه.
مؤشرات التعلق المفرط لدى الأطفال
هناك مجموعة من المؤشرات الواضحة التي قد تدل على وجود نمط التعلق المفرط لدى الطفل، منها الاعتماد العاطفي المبالغ فيه على أحد الوالدين، والتمسك الجسدي المستمر به مع رفض الانفصال عنه حتى لو لفترات قصيرة. يظهر ذلك أيضًا في إبداء خوف شديد وغير مبرر عند غياب الوالد المفضل مؤقتًا، أو في الحاجة المفرطة للحصول على موافقته قبل الإقدام على أي تصرف. هذه العلامات مجتمعة قد تحد بشكل كبير من قدرة الطفل على تنمية استقلاليته الذاتية وبناء ثقته بنفسه، مما يؤثر على تطوره الاجتماعي والعاطفي.
استراتيجيات فعالة لمعالجة التعلق المفرط
لمعالجة هذا النمط من التعلق بشكل فعال، ينبغي على الأهل تشجيع استقلالية الطفل من خلال إشراكه في أنشطة تتناسب مع عمره وتنمي قدراته، وتحفيزه على خوض تجاربه الخاصة التي تعزز ثقته بنفسه. من الأهمية بمكان أيضًا تعزيز علاقة الطفل بالوالد الآخر، وذلك بتخصيص وقت مشترك ممتع وأنشطة ترفيهية أو تعليمية بينهما. يساعد وضع روتين يومي ثابت وحدود واضحة على منح الطفل شعورًا بالأمان، حتى في غياب الوالد المفضل، مما يقلل من قلقه. وفي بعض الحالات التي تستدعي تدخلًا أعمق، قد يكون من المفيد اللجوء إلى استشاري نفسي متخصص لتقديم الدعم والإرشاد للأسرة بأساليب علاجية مناسبة.
دور الوالد الآخر في تحقيق التوازن العاطفي للطفل
يُعد الوالد غير المفضل عنصرًا محوريًا وأساسيًا في إعادة التوازن العاطفي للطفل وتصحيح نمط التعلق. يتوجب عليه أن يشارك بفعالية وإيجابية في حياة الطفل اليومية، وأن يُظهر اهتمامًا ودعمًا مستمرين، مما يساعد على بناء رابط قوي ومتين. من الضروري أيضًا أن يتعاون هذا الوالد مع الوالد المفضل بروح الشراكة، بدلًا من الوقوع في فخ الشعور بالإقصاء أو المنافسة. إن المشاركة في اتخاذ القرارات المتعلقة بالطفل، وتنفيذ الأنشطة اليومية المشتركة، تمنح الطفل فرصة قيمة لتوزيع تعلقه بشكل صحي ومتوازن، الأمر الذي يعزز استقراره النفسي ويقوي علاقته بكل من الوالدين على حد سواء.