مقام الشهيد في الجزائر يشعل نقاشًا بسبب حفل تنكري

في خضم فعاليات المهرجان الدولي للشريط المرسوم بالجزائر، وقبل أيام قليلة، أثارت مشاركة أطفال ومراهقين جزائريين بتقمص شخصيات الأنمي (الكوسبلاي) جدلاً واسعاً، حيث انتقد رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وحتى بعض البرلمانيين، هذه الأزياء، معتبرين أنها تحمل رموزاً “غريبة” وتسيء إلى رمزية مقام الشهيد الذي احتضن الفعالية.

“فيبدا”: منصة للإبداع أم تجاوز للقيم؟

يُعد مهرجان “فيبدا” حدثاً سنوياً في الجزائر، يمثل فرصة للمشاركين من مختلف الأعمار، بما في ذلك الأطفال والمراهقون، للتعبير عن شغفهم بشخصيات الأنمي، وألعاب الفيديو، والمسلسلات التلفزيونية، والأفلام، من خلال ارتداء أزياء متقنة، وتقليد سلوكيات هذه الشخصيات المحببة إليهم، وإبراز مواهبهم.

مقام الشهيد: رمزية المكان وإشكالية التوظيف

أُقيم المهرجان في ساحة رياض الفتح، بمقام الشهيد في العاصمة الجزائر، وهو معلم تاريخي يرمز إلى تضحيات شهداء الثورة الجزائرية، الذين بذلوا أرواحهم من أجل استقلال البلاد، حيث يضم المكان تماثيل للشهداء، ومتحفاً يوثق تاريخ الثورة، الأمر الذي أثار حفيظة البعض، معتبرين أن فعاليات المهرجان لا تتناسب مع قدسية المكان.

عاصفة من الانتقادات على وسائل التواصل الاجتماعي

انتشرت صور المهرجان على نطاق واسع عبر شبكات التواصل الاجتماعي، مما أثار موجة من الجدل، حيث اعتبر العديد من المعلقين أن هذه الصور تمثل إساءة لرمز الشهداء، خاصة وأن بعض شخصيات الأنمي تحمل رموزاً “غريبة”، وفقاً لآرائهم، وأدت هذه الانتقادات إلى تفاعل واسع النطاق، وانقسام في وجهات النظر حول مدى ملاءمة تنظيم مثل هذه الفعاليات في أماكن ذات رمزية تاريخية.

الجدل يصل إلى قبة البرلمان

تجاوز الجدل حدود مواقع التواصل الاجتماعي، ليصل إلى قبة المجلس الشعبي الجزائري، حيث طالب النائب البرلماني عن حركة مجتمع السلم، زكريا بلخير، بفتح تحقيق في “قضية تنظيم حفل موسيقي بمقام الشهيد”، داعياً إلى معرفة ظروف الترخيص لحفلة “المتأثرين بفكر عبدة الشيطان”، وأفاد رئيس لجنة التربية الوطنية والبحث العلمي والشؤون الدينية بالمجلس الشعبي الوطني، أنه “وجه عريضة رسمية إلى الوزير الأول، بخصوص ما شهدته العاصمة من إقامة حفلة لشباب متأثرين بفكر عبدة الشيطان في محيط مقام الشهيد، المعلم الوطني الخالد الذي يرمز لتضحيات شهداء الجزائر الأبرار”، مستنكراً ما تم تداوله من صور ومشاهد تمس بحرمة مقام الشهيد وبالقيم الدينية والوطنية للمجتمع الجزائري.

وجهة نظر مغايرة: الثقافة عابرة للحدود

من جهته، قدم الأمين العام السابق للمجلس الإسلامي الأعلى، بوزيد بومدين، طرحاً مختلفاً حول مشاركة المراهقين والشباب في المهرجان، حيث رأى أن “المشككين في كون تلك الرسوم والصور والألبسة، هو بسبب التفكير بأنها تحيل على ثقافة غير إسلامية، وهذا ليس صحيحا في مجمله”، وأوضح المتحدث في تصريحه لـ”العربية.نت” قائلاً: “البعض لا يفرق في قراءته لتلك الرسومات والأشكال المأخوذة من الأفلام والمسلسلات والمستوحاة من مختلف الثقافات، وبين تلك المستوحاة من الرموز الدينية”.

كما أضاف أن “ثقافة الأنمي المنقولة إلينا عبر هذه الألعاب، هي ثقافة عابرة للحدود، ومنها مسلسلات وألعاب تطرح قضايا عادلة، ضد الظلم وتوافق الحرية، ما يتوافق مع سن الشباب الذي لا يحب القيود”، وقال “نحن أصلا لم نسطع أن نطور لا ألعابا ولا مسلسلات للشباب والأطفال، ولأن الطبيعة لا تقبل الفراغ، فيكون هذا التأثير طبيعيا، لأن الخطاب الحالي هو خطاب الصورة والألوان”.

صعوبة التحكم في المحتوى الرقمي وتأثيره على الأجيال الشابة

يرى المختص الاجتماعي عبد الحفيظ صندوقي أن “مهرجان فيبدا هو فرصة للأطفال والمراهقين لإثبات مواهبهم في عدد من المجالات منها الرسم والتمثيل والتقليد وغيرها، وهو نوع من الفنون المعترف بها في العصر الحالي”، وأضاف المتحدث لـ”العربية.نت” قائلاً: “التأثر بأفلام ومسلسلات الكرتون، والرسوم المتحركة ليس جديدا، وليس خاصا بالجيل الحالي، فمنذ بثها على القنوات، كانت الأفلام الكرتونية تؤثر في الأطفال والمراهقين، يبقى أن الإشكال هو فيما تقدمه تلك الأفلام من قيمة اجتماعية وثقافية؟ ففي وقت سابق، عندما كانت تبث على القنوات التلفزيون القليلة في الجزائر، كان يمكن التحكم في المحتوى، لكن اليوم في عصر “اليوتيوب” ومواقع التواصل الاجتماعي، لا يمكن لأحد أن يتحكم فيما يشاهده الأطفال والمراهقون، وحتى أولياء الأمور يصعب عليهم مراقبة أبنائهم بشكل كلي”.

إلى ذلك، رأى أن السلطات المعنية التي تنظم مثل تلك المهرجانات هي التي يتوجب أن تنظمها، وتحدد المشاركين فيها، والمحتوى الذي يقدم فيها، وبالتالي يمكن مراقبة أي محتوى يمكن أن يمس بالتوجه الاجتماعي أو الثقافي للبلد، حتى لا يقع صدام في هذا الاتجاه، وتكبر الهوة بين الأجيال، إذ يتفه البعض كل ما يفعله الجيل الحالي، ويعتبره سخيفا، وفي الجهة المقابلة، يعتبر بعض من الجيل الجديد كل ما يقوله آباؤهم قديما.