في البيت والعمل كيف تكسب المفاوضات دون خسائر

بعد النجاح الذي تحقق في المفاوضات التي أدت إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة، يتبادر إلى الأذهان سؤال هام، وهو: إذا كان التفاوض قادرًا على إنهاء حرب ومعاناة إنسانية، فكيف يمكننا الاستفادة منه في حياتنا اليومية؟

نحن نخوض مفاوضات متنوعة بشكل يومي، سواء داخل الأسرة، أو أثناء المساومة في السوق، أو في اجتماعات العمل، وحتى في عقود الشراكات، أحيانًا ننجح وأحيانًا نفشل، فهل هناك مبادئ عامة لإدارة المفاوضات بنجاح، أم أن لكل موقف ولكل شخص طريقته الخاصة؟

في هذا التقرير، نسعى إلى تحويل دروس المفاوضات الكبرى إلى أدوات عملية، وتحويل فن التفاوض إلى عادات يومية ناجحة يمكن للجميع تطبيقها بسهولة.

اقرأ أيضا

  • فويتشيك تشيزني.. عندما تساعد منافسك على النجاح.
  • رفضوها موظفة فنجحت كرائدة أعمال.. كيف حولت إثيوبية الفشل لمشروع مزدهر؟.

التفاوض ليس مجرد أداة لحل النزاعات الكبيرة، بل هو مهارة حياتية ضرورية يمكن أن تساعدنا في تحقيق أهدافنا اليومية، وتحسين علاقاتنا مع الآخرين، وفهم وجهات نظرهم.

من تقاسم الكعكة إلى توسعتها

يعتقد البعض أن التفاوض هو مجرد لعبة محصلتها صفر، وكأننا نقتسم كعكة محدودة الحجم، فما تكسبه أنت هو بالضرورة خسارة لي، ولكن مع تطور الفكر الإداري، أصبح التركيز على “توسيع الكعكة”، أي خلق قيمة مشتركة جديدة، مما يجعل التفاوض ليس مجرد خلاف أو محاولة لإجبار الطرف الآخر، بل هو طريق مختصر وذكي للوصول إلى حلول مستدامة.

يكمن جوهر هذا التغيير في طرح السؤال الصحيح: ما الذي يهم الطرف الآخر حقًا؟ هل هي سرعة تسليم المنتج، أو مرونة الدفع، أو ضمان أطول، أو جودة الأداء؟ وبالمقابل، ما هي أولوياتك أنت؟

القواعد الذهبية

هناك مبادئ أساسية لا تتغير، سواء كنت تجلس على طاولة مفاوضات دولية أو تتفاوض على مهام منزلية، فالمفاوض الناجح هو الذي يتقن هذه الأدوات ويستطيع تكييفها مع الظروف المختلفة:

  • الخطة البديلة: من الضروري أن تعرف قبل الدخول في أي نقاش ما الذي ستفعله إذا لم يتم الاتفاق، هذا الوضوح يمنحك ثقة ويحميك من قبول حلول سيئة خوفًا من الفشل.
  • منطقة التلاقي: هي المساحة التي يلتقي فيها الحد الأدنى المقبول لديك مع الحد الأقصى للطرف الآخر، وكلما عرفت هذه المنطقة مسبقًا، قلت المفاجآت واختصرت مدة التفاوض.
  • المصالح لا المواقف: القاعدة الأهم هي فصل الأشخاص عن المشكلة، لا تجعل نقاشك يقتصر على المطالب الظاهرة أو المواقف المعلنة، بدلًا من ذلك، ركز على المصالح الكامنة، وابدأ بسؤال “لماذا؟” فبمجرد فهم السبب الحقيقي، يصبح إيجاد حلول مرضية أسهل بكثير من الجدال حول التفاصيل.
  • الخيارات والمعايير الموضوعية: لضمان نزاهة وعدالة الاتفاق، قدم أكثر من خيار بدلًا من رقم واحد، واستند دائمًا إلى معايير موضوعية متفق عليها، مثل القانون، أو أسعار السوق، أو الأداء السابق، هذا الأسلوب يكشف أولويات الطرف الآخر ويساعد في بناء حلول مشتركة.

البيئة تحدد الأولوية

على الرغم من أن أدوات التفاوض الأساسية تبقى ثابتة، إلا أن أهميتها وأولويتها تتغير بشكل كبير حسب السياق الذي تتفاوض فيه، على سبيل المثال، أساليب الضغط الشديدة التي قد تنجح في إنهاء أزمة دولية، يمكن أن تدمر علاقاتك الشخصية أو المهنية بشكل كامل.

  • السياسة والدبلوماسية: غالبًا ما تستخدم أساليب قاسية لأن المخاطر كبيرة جدًا وتتعلق بالوجود والمصير.
  • الأعمال والشركات: العنصر الأساسي هو المنفعة، والهدف ليس هزيمة الشريك، بل تكييف الاتفاق ليشمل ضمانات، وعناية واجبة، وشروط دفع مناسبة، لضمان نجاح الصفقة واستمراريتها.
  • الأسرة والعلاقات: الأهم هو جودة العلاقة والاحترام المتبادل، لذلك يجب أن يكون التعاطف والاستماع والتعبير الهادئ عن الاحتياجات أولى من أي مكسب مؤقت، لأن الخسارة الأكبر هنا ليست مادية، بل هي جرح عاطفي عميق.

خمس محطات عملية

يقاس نجاح الاتفاق بمدى إمكانية تنفيذه ومتابعته، أكثر من جمال صياغته، ويمكن تطبيق هذه الطريقة في مواقف حياتية يومية، مثل طلب ترقية أو وضع ميزانية شهرية، من خلال الخطوات التالية:

  • اهدأ وحدد موضوعًا واحدًا: تجنب خلط كل الخلافات المتراكمة في جلسة واحدة، وابدأ بنقطة محددة.
  • حدد هدفك وحدك الأدنى: كن واضحًا بشأن ما تريد، وما هي النقاط التي يمكنك التنازل عنها دون ضرر.
  • اسأل قبل أن تقترح: ابدأ بسؤال استكشافي مثل “ما الأهم لكم، الوقت أم التكلفة أم الجودة؟” فالسؤال الذكي يوفر الكثير من الوقت.
  • اعرض بدائل: لا تقتصر على رقم واحد، لأن الخيارات المتعددة تكشف أولوية الطرف الآخر دون الحاجة لشد الأعصاب.
  • التوثيق والمراجعة: اكتب الاتفاق النهائي، وحدد تاريخًا للمراجعة والمتابعة، لتقييم مدى نجاحه على أرض الواقع وضمان استمراريته.