في الأشهر الأخيرة، تصاعدت التكهنات حول مستقبل شركة “آبل” مع إمكانية تنحي تيم كوك، المدير التنفيذي الحالي، خلال السنوات القادمة، خاصة مع تجاوزه سن الـ 65 وعدم وجود خليفة واضح المعالم حتى الآن، وفقًا لتقرير نشرته وكالة بلومبيرغ.
يشغل المدير التنفيذي للشركة منصب القائد والمسؤول الأول عن كل الابتكارات، على الرغم من أنه قد لا يشارك بنفسه في العمل عليها بشكل مباشر، وفي مؤسسة عملاقة بحجم “آبل”، يعتبر هذا المنصب محوريًا ومؤثرًا للغاية في تشكيل مستقبل التكنولوجيا.
تجدر الإشارة إلى أن ستيف جوبز، المؤسس والمدير التنفيذي السابق، استقال من منصبه في عام 2011 بعد بلوغه 56 عامًا، ومنذ ذلك الحين، تولى تيم كوك هذا المنصب حتى يومنا هذا.
الاختلاف بين إدارة ستيف جوبز وتيم كوك يظهر بوضوح في المنتجات التي تقدمها الشركة، حيث يمكن تمييز المنتجات التي تم طرحها في عهد كل منهما بمجرد النظر إليها، مما يؤكد على أهمية منصب المدير التنفيذي في توجيه الشركة.
يمكن القول أن المدير التنفيذي القادم لشركة “آبل” سيحدد مسارها المستقبلي والاتجاه الذي تسعى لتحقيقه، فبينما ركز جوبز على السيطرة الكاملة على تطوير الهاتف ونظامه الخاص، تميزت إدارة كوك بالانفتاح وإتاحة أمور كان يرفضها جوبز في السابق.
إذًا، من سيخلف تيم كوك في قيادة “آبل”؟ وإلى أين ستتجه الشركة تحت قيادته؟
### الخروج المفاجئ للمرشح الأقوى
شهدت “آبل” في السنوات الأخيرة سلسلة من التغييرات الواسعة على مستوى رؤساء الأقسام والمديرين المسؤولين، وأبرزها استعداد الرئيس التنفيذي للعمليات، جيف وليامز، لمغادرة الشركة هذا العام، وهو الذي كان يُعتبر المرشح الأوفر حظًا لخلافة كوك في منصب المدير التنفيذي.
كما فقدت الشركة عددًا من الأسماء البارزة التي ساهمت في بناء مجدها الحالي، ومن بينهم رئيس قسم التصميم، جوني إيف، ورئيسة قطاع التجزئة، أنجيلا أهريندتس، اللذان غادرا الشركة معًا في عام 2019، بالإضافة إلى جوني سروجي، القائد المخضرم لمجموعة تقنيات الأجهزة والمسؤول عن تطوير شرائح الشركة الثورية.
جيف وليامز الرئيس التنفيذي لعمليات “آبل” كان المرشح الأقوى لخلافة تيم كوك (الفرنسية)
أشار سروجي إلى مجموعة من المقربين منه بنيته مغادرة الشركة والتفكير في المستقبل منذ عدة أشهر، ولكنه لم يتخذ قرارًا نهائيًا بالرحيل بعد.
لم يسلم قسم الذكاء الاصطناعي في “آبل” من هذه التغييرات، ولا يزال وضع جون جياناندريا، رئيس القسم، غير واضح حتى الآن، خاصة بعد تولي مايك روكويل مسؤولية إصلاح “سيري” تحديدًا.
يشير تقرير بلومبيرغ إلى أن الشركة تفكر في تعيين رئيس لقسم الذكاء الاصطناعي من خارج الشركة، وتحديدًا استقطاب أحد علماء الذكاء الاصطناعي من “ميتا” بعد التغييرات الكبيرة التي أجرتها الأخيرة على قطاع الذكاء الاصطناعي.
مع غياب وليامز، الذي كان يُعتبر المرشح الأقوى، يبرز اسم جون تيرنوس، رئيس قسم هندسة الأجهزة، كمرشح قوي لتولي منصب المدير التنفيذي لشركة “آبل” التي تتجاوز قيمتها 4 تريليونات دولار.
### محب للتقنية وليس رجل مبيعات
يصف تقرير بلومبيرغ جون تيرنوس بأنه شخص محب للتقنية في المقام الأول، وليس رجل مبيعات أو تسويق، وحسب التقرير، فإن الشركة تحتاج إلى هذا النوع من القيادة في الوقت الحالي أكثر من أي وقت مضى.
على الرغم من أن “آبل” حققت نموًا هائلاً تحت قيادة كوك من حيث المبيعات وعدد الأجهزة المباعة، إلا أنها واجهت صعوبات كبيرة في اقتحام قطاعات تقنية جديدة، مثل تقنيات الواقع المعزز والذكاء الاصطناعي وحتى السيارات الذكية وأجهزة المنزل الذكي، وهي قطاعات حققت فيها شركات أخرى نجاحات بارزة.
يضيف التقرير أن تيرنوس يبلغ من العمر 50 عامًا، وهو نفس العمر الذي تولى فيه كوك قيادة “آبل”، مما يمنحه فرصة زمنية مماثلة لتلك التي حظي بها كوك لإحداث تغيير في سياسة الشركة وتقديم ثورة تقنية تعيدها إلى صدارة الابتكار.
تيرنوس في الأساس شخص محب للتقنية ويتمتع بحضور بارز وسط الجمهور (رويترز)
علاوة على ذلك، يحظى تيرنوس بتقدير كبير من محبي “آبل” وموظفيها، كونه من القلائل الذين يثق بهم كوك وموظفو الشركة على حد سواء، مما منحه صلاحيات إضافية تتجاوز دوره الرئيسي.
يحاول فريق التسويق الخاص بالشركة إبراز تيرنوس وتقديمه للمستخدمين في الابتكارات الجديدة، فقد كان مسؤولاً عن تقديم “آيفون إير” في الحدث الأخير، وكان المسؤول عن استقبال أوائل العملاء في متجر الشركة في شارع ريجنت في لندن، وهو نفس الدور الذي قام به كوك سابقًا في متجر الجادة الخامسة في نيويورك.
تولي تيرنوس قيادة الشركة سينعكس على مستقبلها وتوجهاتها المستقبلية في تقديم الأجهزة، ومن المتوقع أن نشهد موجة من الابتكارات الثورية الجديدة في “آبل”، بدلاً من الالتزام بالتركيبة ذاتها لكل المنتجات كما هو الحال حاليًا.
يرى بعض الخبراء أن فترة حكم تيرنوس قد تعيد للشركة رونقها وريادتها في الابتكارات التقنية كما كانت في السابق تحت قيادة ستيف جوبز، وذلك لأن كليهما يضع التقنية في المقام الأول قبل الترويج لها.
### مرشحون آخرون بارزون
لا يعني ظهور اسم تيرنوس كأقوى مرشح لتولي قيادة “آبل” أنه المرشح الوحيد، فقد تم طرح عدة أسماء أخرى لقيادة الشركة، وجميعهم من المديرين الحاليين بها.
يبرز اسم كريج فيديريغي، نائب رئيس قسم البرمجيات في الشركة، كأحد أقوى المرشحين لهذا المنصب، وذلك بفضل خبرته الواسعة وظهوره المستمر في جميع فعاليات الشركة، ويبلغ من العمر 56 عامًا.
اسم كريغ فيديريغي اقترن بالتطورات في نظام تشغيل “آبل” خلال السنوات الماضية (رويترز)
كما يشار إلى جريج جوسوياك، نائب رئيس الشركة للتسويق العالمي والبالغ من العمر 61 عامًا، كأحد المرشحين لهذا المنصب، على الرغم من أن العائق الأكبر أمامه هو السن، إذ لا يختلف كثيرًا عن عمر تيم كوك، مما قد يجعل فترة رئاسته للشركة قصيرة بشكل غير مسبوق.
### كيف يؤثر رئيس “آبل” التنفيذي في توجهات الشركات التقنية؟
لسنوات طويلة، اتبعت الشركات التقنية المسار الذي تحدده “آبل” في العديد من الجوانب، بدءًا من إزالة منفذ سماعات الرأس وصولًا إلى إزالة مقبس الشاحن، مرورًا بتقديم النتوء وبصمة الوجه وغيرها من الابتكارات الجديدة.
بالتالي، فإن الشخص الذي يرأس “آبل” ويحدد مسارها المستقبلي يحدد أيضًا المسار الذي تسلكه غالبية الشركات التقنية في محاولة لتقليد “آبل” وإضافة ابتكاراتها في منتجات أقل تكلفة.
يختلف هذا المسار باختلاف الشخص الذي يتولى القيادة، فإذا تولى شخص مثل تيرنوس، فقد نشهد ابتكارات تقنية جديدة من الشركة كما كان يحدث في عهد ستيف جوبز.
وإذا تولى شخص مهتم بالبرمجيات ويأتي من خلفية برمجية واسعة مثل فيديريغي، فقد نرى تركيزًا على الخدمات البرمجية التي تقدمها الشركة وحتى أنظمة التشغيل وأنظمة الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، وكذلك الحال مع جوسوياك الذي قد يركز أكثر على التسويق للشركة وتقديم مزايا تسويقية بدلاً من الابتكار.
بشكل عام، يمثل اختيار المدير التنفيذي القادم لشركة “آبل” لحظة حاسمة ستحدد مستقبل الشركة وتوجهاتها في عالم التكنولوجيا، وسيكون لهذا الاختيار تأثير كبير على الصناعة بأكملها.