«تغيرات مناخية تهدد الزراعة العالمية» أزمة المياه: تأثيرات ملحوظة على إنتاج المحاصيل في مختلف البلدان

يوم بلا شاشات .. هل يمكن تصور يوم كامل بدون “فيسبوك” أو “تيك توك”، بلا “سناب شات”، بلا “إعجابات”، ولا “مشاركات”، ولا “إشعارات” تلاحقنا في كل دقيقة؟ هل نحن قادرون على الابتعاد عن السباق المحموم وراء “اللايك” و”الشير”، لنستعيد حياتنا ببساطتها ودفئها وصدقها؟

المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام

هذا هو التحدي الذي طرحته ومازالت تطرحه مبادرة “معًا يوم بلا شاشات”، تحت قيادة الدكتورة منى الحديدي، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة وعضو المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام وعضو المجلس الأعلى للثقافة، دعوة لنسترح قليلاً من العالم الافتراضي، ونعود للتواصل الحقيقي مع الأسر والأصدقاء، ونستثمر وقتنا في أنشطة واقعية تعيد إلينا طاقة الحياة بعيدًا عن ضجيج التطبيقات والشاشات.

المبادرة هي نشاط وجهد جماعي لجمع من أساتذة الإعلام والخبراء الإعلاميين، وتستند إلى جهود توعوية واسعة تشمل المدارس والجامعات، إضافة إلى برنامج متكامل من الندوات والأنشطة الترويجية الترفيهية والثقافية والرياضية والفنية، مما يعيد أبناءنا إلى أجواء اللقاءات المباشرة والأنشطة الفكرية والإبداعية المتنوعة.

الهدف هو إعادة إحياء عادات مثل قراءة الكتب، ممارسة الفنون والموسيقى، واستثمار الوقت في أنشطة مفيدة تعيدنا إلى العالم الواقعي بجمالياته وطاقاته الحقيقية.

والحقيقة أن الأمر جد خطير، ففي العام الماضي، اعتمد قاموس إكسفورد مصطلح “تعفن الدماغ” Brain Rot، وهو تعبير عن الحالة المزرية التي يصل إليها الإنسان نتيجة الاستخدام المتواصل والمشاهدة المستمرة لمقاطع الفيديو القصيرة المعروفة بالريلز Reels.

ويمكن اعتبار هذه المبادرة أيضاً صرخة احتجاج على المحتوى غير المقبول الذي يُنشر عبر تلك التطبيقات، وخاصة تطبيقات التواصل الاجتماعي، وما يقدمه المؤثرون Influencers من محتوى لا أخلاقي أو تافه، وهو ما انتبهت له الدولة مؤخرًا وبدأت في القبض على عدد كبير منهم، فشهدنا كيف كان المستوى، وكيف كانت الأغراض، وكيف كانت النتيجة.

والخطير في هذه القضية أيضًا تكشفه الدراسات الحديثة التي أكدت أن الاستخدام المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي يترك أثرًا مباشرًا على الصحة النفسية للشباب، حيث يزيد من معدلات القلق والاكتئاب، ويقلل من التركيز وجودة النوم، كما أن الأطفال والمراهقين يقضون ساعات طويلة على تلك المواقع، على حساب الرياضة والهوايات، وحتى الجلسات العائلية.

من هنا تأتي أهمية أن يكون هناك يوم في السنة نتفق فيه جميعًا على ترك هذه المواقع جانبًا، والعودة إلى ممارسة أنشطة حياتية طبيعية مثل القراءة والتنزه واللعب، أو مجرد محادثة وجهًا لوجه.

هذه الفكرة ليست جديدة، فقد سبقتها دول عدة بإطلاق مبادرات مشابهة، ففي الولايات المتحدة وكندا، ظهرت مبادرة “Disconnect to Connect” التي تشجع الأسر والأفراد على إغلاق الأجهزة ليوم واحد، واستثمار الوقت في التواصل الحقيقي، وفي فرنسا خصصت بعض المدارس أيامًا بلا هواتف محمولة لإعادة الانتباه إلى أهمية التفاعل المباشر بين الطلاب، وأما في الهند فقد أطلقت منظمات أهلية حملات تحت عنوان “Digital Detox Day” للحد من الإدمان الرقمي وتعزيز الوعي بخطورة الاستخدام المفرط للشاشات، وفي السويد، برزت تجربة رائدة عبر ما يُعرف بـ “Screen-Free Week” التي تبنتها بعض المؤسسات التعليمية والثقافية، حيث يتم تنظيم أنشطة بديلة للأطفال والعائلات من قراءة ورياضة وفنون، بهدف تعزيز قيمة الوقت الحقيقي بعيدًا عن الأجهزة.

هذه التجارب مجتمعة أثبتت أن تخصيص يوم سنوي بلا شاشات ليس مجرد رمز، بل خطوة عملية لتذكير المجتمعات بضرورة التوازن بين العالم الرقمي والواقعي.

تستهدف هذه المبادرات أيضًا الأسرة، التي تقع على عاتقها دور كبير في تشجيع أبنائها على المشاركة، ليس فقط عبر التوجيه، وإنما عبر القدوة المباشرة، فوجود الأهل في هذه المبادرة جنبًا إلى جنب مع أبنائهم يمنحها ثقلًا أكبر، ويجعلها تجربة أسرية ممتدة الأثر.

هنا يأتي دورنا جميعًا: شبابًا وأطفالًا وأسرًا، لنحول مبادرة “معًا يوم بلا شاشات” إلى موعد سنوي نلتزم به ونعيشه معًا، دعونا نبتعد عن مواقع التواصل الاجتماعي ليوم واحد فقط، لنضيء قلوبنا بعلاقات أصدق، ونعيد اكتشاف متعة الحياة بعيدًا عن العالم الافتراضي، فلتكن دعوتنا صريحة: شاركونا هذه المبادرة، وكونوا جزءًا من تجربة جماعية تثبت أن الواقع أجمل دائمًا من الشاشة.

أعرف كمتخصص أنه قد لا تنجح المبادرة مع الجميع، إذ لا أعتقد أن الكثيرين قادرون على الامتناع عن الشاشات لمدة يوم كامل، فالبعض قد يصمد لسويعات قليلة، تمامًا مثلما ندرب الأطفال على الصيام، فلا ضير من الامتناع عن الطعام والشراب حتى موعد آذان الظهر، ثم الانتقال إلى صيام يوم كامل، إذ سيكون كل من ينضم إلى المبادرة قادرًا على التعرف على درجة إدمانه وقوة إرادته، وأيضاً سيتعرف على حياته بدون هذه الأجهزة، هل لديه حياة حقيقية أم يحتاج إلى مراجعة نفسه لمحاولة بناء حياة فعالة.

نتمنى، بعد نجاحه في تنفيذ يوم بلا شاشات، أن يعود لاستخدامها مرة أخرى بمنظور جديد أكثر وعيًا بالمخاطر، وأكثر قدرة على التوازن بين العالم الافتراضي والحياة الطبيعية التي أنعم الله علينا بها منذ لحظة الميلاد، لندرك قيمتها ونسعى للاستفادة والاستمتاع بها.

إلى عزيزي المعترض أو من يعتقد بعدم القدرة على الانضمام إلى المبادرة، أقول لك ببساطة “جرب”، فالتجربة خير دليل، لن تفوتك الكثير عند الانضمام، لكنك ستكسب الكثير، وعلى رأس المكاسب “نفسك” التي بين جنبيك.