في تفاصيل جريمة مروعة تكشف عن خبث إجرامي بالغ، أحالت النيابة العامة بالقاهرة الجديدة متهمين اثنين إلى محكمة الجنايات، وذلك لاتهامهما بالتورط في سرقة صيدلي فلسطيني الجنسية بالإكراه داخل شقته في مدينة نصر، الجريمة تمت بعد استدراجهما الضحية بخطة محكمة تحت ستار صفقة تجارية زائفة.
اللقاء الأول: فخ الاستثمار الوهمي
بدأت القصة عندما تلقى المجني عليه، حسام سلمان حسين الحلو، البالغ من العمر 53 عامًا، وهو صيدلي فلسطيني مقيم في مدينة نصر، اتصالًا من أحد المتهمين، حيث أبدى رغبته في التعاون معه لشراء وإدارة صيدلية في المنطقة التجارية، الصيدلي، بحكم خبرته الواسعة في مجال الأدوية، لم يساوره الشك، خاصةً وأن المتصل تحدث بجدية، وقام بتحديد موعد للقاء في شقته لمناقشة التفاصيل ودراسة الجدوى.
في الموعد المحدد، وصل المتهمان ومعهم شخص ثالث مجهول إلى منزل الصيدلي، حاملين ملفًا يحتوي على أوراق تجارية مزيفة، وذلك لإضفاء مزيد من المصداقية على اللقاء.
التحول الدرامي: من اتفاق إلى اعتداء
ما إن استقر الثلاثة داخل الشقة، حتى تغيرت الأمور بشكل مفاجئ، فبينما كان الصيدلي يشرح تفاصيل السوق وأسعار الصيدليات، قام المتهمان بإشهار أسلحة نارية “فرد خرطوش” في وجهه، وهددوه بإطلاق النار إذا أبدى أي مقاومة، حاول الصيدلي التراجع للاحتماء، لكنهما قيداه وأمراه بالصمت، ثم بدأوا في تفتيش الشقة بحثًا عن الأموال والمجوهرات.
نجح المتهمان في سرقة سبائك ذهبية ومبالغ مالية كانت موجودة في درج مكتبه الخاص، ثم لاذوا بالفرار، تاركين الضحية في حالة صدمة وذهول.
بلاغ فوري وتحرك أمني سريع
بعد دقائق قليلة، أبلغ الصيدلي قسم شرطة أول مدينة نصر بما حدث، وقدم وصفًا دقيقًا للواقعة، مؤكدًا أنه لم يعرف المتهمين من قبل سوى في هذا اللقاء الذي زعموا أنه لأغراض تجارية، تم تحرير محضر بالواقعة، وأُخطرت النيابة العامة، التي بدورها كلفت فريقًا من المباحث بسرعة إجراء التحريات وضبط الجناة.
التحريات تكشف تفاصيل الجريمة
تولى الرائد كريم أشرف عز الدين العرب، ضابط مباحث قسم أول مدينة نصر، مسؤولية جمع المعلومات، وتمكن من كشف ملابسات الجريمة بالكامل من خلال التحريات السرية، تبين أن المتهمين، أحدهما أخصائي بشريات يبلغ من العمر 53 عامًا، والآخر مالك شركة في الأربعينيات من عمره، اتفقا مع شخص ثالث مجهول على استدراج الصيدلي إلى شقته، بادعاء الشراكة في مشروع صيدلية، ثم تهديده وسرقته بالإكراه.
أكدت التحريات أن الجريمة كانت مُخططًا لها بعناية، وأن المتهمين قاموا بمراقبة الضحية لعدة أيام، وتتبعوا تحركاته، وعلموا أنه يعيش بمفرده في الشقة، مما سهل عليهم تنفيذ الجريمة دون مقاومة.
القبض والاعتراف
بعد إعداد الأكمنة السرية في أماكن تردد المتهمين، تمكن رجال المباحث من القبض عليهما بعد أيام قليلة من الواقعة، وعند مواجهتهما بالتحريات، اعترفا تفصيليًا بارتكابهما الجريمة، وأرشدا عن السلاح المستخدم، وأقرا بأنهما تصرفا في جزء من المسروقات لسداد ديون مالية، واحتفظا بالباقي لتهريبه خارج البلاد.
قرار الإحالة إلى المحكمة
بعد استجواب المتهمين ومواجهتهما بأقوال المجني عليه والتحريات وأدلة الثبوت، قررت نيابة القاهرة الجديدة الكلية إحالتهما إلى محكمة جنايات القاهرة، لاتهامهما بالسرقة بالإكراه ليلًا مع حمل سلاح ناري، وحيازة سلاح ناري (فرد خرطوش) وذخائر دون ترخيص، والاشتراك مع آخر مجهول في ارتكاب الواقعة، وأكدت النيابة أن المتهمين استخدموا القوة والعنف لشل إرادة المجني عليه والاستيلاء على ممتلكاته، مما يجعل الجريمة ضمن الجنايات المشددة.
لحظات الرعب في أقوال الضحية
روى الصيدلي في أقواله أمام النيابة لحظات الرعب التي عاشها قائلًا:
* “لم أتوقع أن تنتهي المقابلة بهذه الطريقة.”
* “كنت أظنها جلسة عمل، ولكن بمجرد دخولهم الشقة، أشهروا الأسلحة وهددوني.”
* “كانوا يعرفون كل تفاصيل المكان، ويتصرفون بثقة غريبة، وكأنهم في مهمة مُعدة.”
أضاف الصيدلي أنه لم يتعرض لأذى جسدي مباشر، لكن التهديد بالسلاح والصرخات المتكررة أدخلوه في حالة انهيار نفسي، وأفقدوه الإحساس بالأمان في منزله.
التحقيقات مستمرة لضبط المتهم الثالث
تواصل الأجهزة الأمنية جهودها لضبط الشريك الثالث المجهول الذي شارك في تنفيذ الجريمة وساعد في تصريف المسروقات، بعد أن حددت التحريات خطوط سيره ومكان اختبائه المحتمل.
أكد مصدر أمني أن الجريمة تُعد واحدة من أكثر وقائع السرقة جرأة في الأشهر الأخيرة، نظرًا لتخطيطها الدقيق ومحاولة المتهمين إخفاء نيتهم الإجرامية خلف ستار الاستثمار والتجارة.
بهذه القضية، تكشف النيابة العامة عن نوع جديد من جرائم السرقة المقنعة بالعلاقات الاجتماعية والتجارية، وتؤكد أن العدالة ستلاحق كل من يستخدم الحيلة والخداع لتهديد حياة المواطنين أو سلب ممتلكاتهم تحت تهديد السلاح.
يبقى السؤال: إلى أي مدى وصل اللصوص من الجرأة في اقتحام حياة الناس بأفكار “نظيفة المظهر”؟ الإجابة ستكشف عنها قاعة المحكمة، حين يمثل المتهمان أمام القاضي، وتنكشف تفاصيل الجريمة التي بدأت كصفقة “صيدلية” وانتهت بفضيحة إجرامية كاملة.