طفرة جينية تغير حياة براء أمه تحول التحدي لمنارة أمل

إن تربية الأطفال مسؤولية جسيمة تستلزم بذل جهدٍ وفير وصبرٍ لا ينفد، فكل والدٍ ووالدة يتطلعان بشغفٍ إلى رؤية فلذة كبدهما في أبهى صورة، متمتعًا بأقصى درجات القوة والنجاح. ولكن، عندما يولد طفلٌ يعاني من أزمة جسدية أو حالة صحية نادرة، تتضاعف التحديات وتصبح أكثر تعقيدًا، مخلفةً أثرًا عميقًا على نسيج الأسرة بأكمله. فالأطفال ذوو الهمم قد تستدعي حالتهم رعايةً خاصة ومتكاملة، تشمل الجوانب التعليمية والصحية والنفسية، الأمر الذي يستوجب توفير أدوات ومعدات داعمة، بالإضافة إلى دعمٍ عملي وعاطفي مستمر من محيط الأسرة والمجتمع. وفي مثل هذه الظروف، غالبًا ما يكون الوالدان هما خط الدفاع الأول، يتصدّيان للصعوبات اليومية ويمنحان أطفالهما القوة اللازمة ليشقوا طريقهم بثقة وإصرار.

وهذا ما تجسد في قصة الطفل براء، الذي وُلد بطفرة جينية نادرة، حيث شاء القدر أن تكون والدته سنده الأول ونبراسه المضيء. لم تقتصر جهودها على تحمل هذه المسؤولية الجسيمة فحسب، بل حوّلت تجربتها الشخصية إلى رسالة إنسانية نبيلة، مكرسةً حياتها للتعريف بحالة ابنها الفريدة، ولتكون صوتًا قويًا وداعمًا للأمهات الأخريات اللواتي يخضن رحلةً مشابهة، رحلة تتسم بالقوة والإيمان والأمل في مواجهة التحديات المستمرة.

براء: طفرة جينية تتحول إلى أمل متجدد

صرحت السيدة أنغام إبراهيم، والدة الطفل براء، أن ابنها وُلد بطفرة جينية نادرة في كلتا ساقيه تُعرف بـ “الانعدام الشظوي بالساق”، والتي أدت إلى تغيير في شكل قدميه وصولًا إلى منطقة الركبة. لم تنظر أنغام إلى هذا الأمر على أنه أزمة أو كارثة، بل اعتبرته هبةً من الله تعالى واختبارًا قويًا خضعت له، مما دفعها للتعامل مع الموقف بروح التحدي والإصرار. وبدأت بنشر تفاصيل دقيقة عن حالة براء، وكيف استقبلت هذه الطفرة الجينية، وتحديات تعايشها في مجتمع قد ينظر إلى طفلها بشكل مختلف عن بقية الأطفال.

وأضافت أنغام في حديثها لـ “اليوم السابع”، أنه منذ لحظة ولادة براء، قرر الأطباء إجراء بتر لمنطقة الركبة ليتمكن من تركيب طرف صناعي، وكان حلمها الأكبر أن تراه يركب دراجة هوائية كأقرانه. لذا، كرست جهودها لدعم قدراته وتعزيز ثقته بنفسه. وتمنت أن كل من يرى طفلها لأول مرة لا يركز على شكل ساقيه فحسب، بل يبتسم له بصدق، مؤكدةً أن طفلها وُلد بهذه الحالة دون أي ذنب من جانبها أو من جانب أسرته، وأن هذه الطفرة الجينية لا تنتج عن تقصير أو إهمال.

وأوضحت أنغام أن التوعية بالأطفال الذين يعانون من حالات مشابهة لبراء أمرٌ ضروري، فهم لا يحتاجون إلى الشفقة إطلاقًا لأنهم أصحاء ويمارسون حياتهم بشكل طبيعي، وإن تطلب ذلك منهم جهدًا مضاعفًا. هؤلاء الأطفال يمتلكون إرادةً قوية تقضي على أي يأس، مضيفةً: “من أهم الأمور التي أردت إيصالها للأهالي هو أن الطفرة الجينية ليست مُعدية، لذا لا تمنعوا أطفالكم من اللعب أو النظر أو السؤال، فبذلك أنتم تبعدونهم عن التفاعلات الاجتماعية وقد يشعرون بالنقص”. وأكدت أن هذه الحالات المميزة تتمتع برغبة دائمة في إقامة التفاعلات الاجتماعية واكتساب المهارات، وهو ما قد يتعثر بسبب رفض بعض المدارس لحالات مثل طفلها، وقد حدث هذا بالفعل مرتين قبل التحاقه بالمدرسة، وهو الآن في مرحلة KG2.

وبخصوص تهيئة الطفل لارتداء طرف صناعي، أوضحت أنغام أن هذا الأمر كان شاقًا ومرهقًا للغاية، لكن ما ساعدها في ذلك هو القصص التي كانت تسردها لبراء، بالإضافة إلى إحضار دمية لعبة تشبهه وتركيب طرف صناعي لها أيضًا، مما أسهم بشكل كبير في تهيئته نفسيًا لتقبل هذا التغيير.

وأردفت قائلةً: “كنت أحمل هاجسًا من الانتكاسة الأولية، خوفًا من أن يرفض التعامل مع الأدوات التي ستساعده على الحركة. كنت بحاجة ماسة للبحث عن وسيلة مبتكرة لإيصال فكرة لبراء بأن حركته ممكنة بأي وسيلة كانت، سواء بالعكازات، أو الطرف الصناعي، أو الكرسي المتحرك. فالمهم ليس الوسيلة، بل أن يكون قادرًا على التحرك والوصول إلى أهدافه، وأن يشعر بكونه شخصًا طبيعيًا تمامًا”.

واختتمت أنغام حديثها بتقديم نصيحة قيمة لكل الأمهات اللواتي يمتلكن أطفالًا في مثل حالة براء، قائلةً: “ركّزوا مع أولادكم لاكتشاف مفاتيح شخصياتهم، وادعموا خيالهم الذي قد يكون أحيانًا أقوى من أي تفسير طبي، خاصةً من خلال القصص التي تجعل الطفل ‘بطل التجربة’ بدلًا من أن يشعر أنها فُرضت عليه”. وقد رفعت أنغام شعارًا مفاده أن من الضروري جدًا أن نجعل أي وسيلة مساعدة لأطفالنا رمزًا للبداية المتجددة، وليس للنهاية.