شهدت أسعار الذهب العالمية اليوم الثلاثاء ارتفاعًا تاريخيًا غير مسبوق، حيث تخطى سعر الأوقية حاجز الـ 4,100 دولار للمرة الأولى على الإطلاق، وذلك وسط تصاعد التوترات الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين، وتزايد المخاوف بشأن تباطؤ الاقتصاد العالمي.
وفي تعاملات آسيا المبكرة، قفز المعدن الأصفر بنسبة تجاوزت 2.3%، ليصل إلى حوالي 4,115 دولارًا للأوقية، مسجلاً بذلك أعلى مستوى له منذ بدء تسجيل الأسعار عالميًا، وقد جاء هذا الارتفاع مدفوعًا بموجة شراء مكثفة من المستثمرين، وصناديق التحوط، والمؤسسات المالية التي تبحث عن ملاذ آمن في ظل اضطرابات الأسواق العالمية.
الذهب يستفيد من تصاعد النزاع التجاري
جاءت هذه القفزة القوية في أسعار الذهب عقب سلسلة من التطورات السياسية والاقتصادية المتسارعة، كان أبرزها فرض الصين قيودًا على عدد من الشركات الأمريكية، ردًا على الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها واشنطن ضد قطاع الشحن الصيني، الأمر الذي أدى إلى إعادة إشعال فتيل الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم.
يرى المحللون أن هذا التوتر المتجدد بين بكين وواشنطن قد دفع المستثمرين إلى الابتعاد عن الأصول عالية المخاطر، مثل الأسهم والسندات ذات العائد المرتفع، والاتجاه نحو الذهب، الذي يُعتبر الملاذ الآمن الأبرز في أوقات عدم اليقين الجيوسياسي والاقتصادي.
تراجع الدولار وعوائد السندات يدعمان المكاسب
ساهم تراجع مؤشر الدولار الأمريكي إلى أدنى مستوياته منذ شهرين في تعزيز الطلب على المعدن النفيس، إذ أن انخفاض قيمة الدولار يجعل الذهب أكثر جاذبية لحائزي العملات الأخرى، كما تراجعت عوائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات إلى نحو 3.9%، مما زاد من شهية المستثمرين لحيازة الذهب كأداة للتحوط ضد التضخم ومخاطر تباطؤ النمو العالمي.
يقول المحللون في بنك “يو بي إس” السويسري، إن تجاوز الذهب لمستوى 4,000 دولار يمثل “تحولًا استراتيجيًا في مسار السوق العالمية”، ويشيرون إلى أن استمرار التوترات التجارية والسياسية قد يدفع الأسعار إلى مستويات تتراوح بين 4,200 و 4,300 دولار للأوقية في المدى القصير.
المستثمرون الأفراد يعززون المشتريات
شهدت الأسواق الآسيوية والعربية ارتفاعًا ملحوظًا في الطلب الفعلي على الذهب الخام والمشغولات الذهبية، مع اتجاه المستثمرين الأفراد إلى شراء السبائك الصغيرة والعملات الذهبية تحسبًا لمزيد من الارتفاعات، وفي المقابل، حذر بعض المحللين من احتمالية حدوث تصحيح سعري مؤقت إذا أقدمت البنوك المركزية على بيع جزء من احتياطياتها، أو تدخلت لتهدئة الأسواق.
الذهب يعيد رسم خريطة الأسواق العالمية
يرى خبراء الاقتصاد أن الارتفاع القياسي للذهب يعكس تحولًا كبيرًا في سلوك المستثمرين حول العالم، حيث باتت الملاذات الآمنة تتصدر المشهد مجددًا بعد فترة من التركيز على أسواق الأسهم والعملات الرقمية، كما يشيرون إلى أن حالة عدم اليقين بشأن السياسات النقدية الأمريكية المستقبلية، إلى جانب تصاعد المخاطر الجيوسياسية في آسيا والشرق الأوسط، تدعم استمرار الاتجاه الصعودي للمعدن النفيس خلال الفترة المقبلة.
وفي ختام الجلسة الآسيوية، استقر سعر الذهب عند مستوى 4,108 دولارات للأوقية، مع توقعات باستمرار التقلبات الحادة في الأسعار خلال الأيام المقبلة، قبيل صدور بيانات التضخم الأمريكية وقرارات الفيدرالي المرتقبة.
تأثيرات ارتفاع أسعار الذهب على المستهلكين
إن الارتفاع الكبير في أسعار الذهب له تأثيرات متعددة على المستهلكين، فمن ناحية، قد يؤدي ذلك إلى ارتفاع أسعار المشغولات الذهبية، مما يقلل من القدرة الشرائية للأفراد الذين يرغبون في شراء الذهب للزينة أو الاستثمار، ومن ناحية أخرى، يمكن أن يشجع هذا الارتفاع حائزي الذهب على بيع ممتلكاتهم لتحقيق أرباح، مما قد يؤدي إلى زيادة المعروض في السوق.
نصائح للمستثمرين في ظل تقلبات أسعار الذهب
في ظل هذه التقلبات الحادة في أسعار الذهب، ينصح الخبراء المستثمرين باتخاذ قرارات استثمارية مدروسة، وتنويع محافظهم الاستثمارية، وعدم الاعتماد بشكل كامل على الذهب كملاذ آمن، كما ينصحون بمتابعة التطورات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية، وتحليل البيانات الصادرة عن البنوك المركزية والمؤسسات المالية، قبل اتخاذ أي قرار استثماري.