شهد عالم التكنولوجيا هذا العام زلزالًا حقيقيًا تمثل في موجات تسريح واسعة النطاق، حيث قامت عمالقة الصناعة مثل مايكروسوفت وأمازون وسيلز فورس بتقليص أعداد موظفيها بالآلاف حول العالم، الأمر الذي أثار حالة من عدم اليقين في سوق العمل التقني، خاصة مع تصريحات قادة القطاع التي تؤكد أن الذكاء الاصطناعي أصبح القوة الدافعة لإعادة هيكلة الوظائف وتقليل الاعتماد على الموارد البشرية التقليدية.
### مايكروسوفت تعِد بعودة التوظيف.. ولكن بنكهة الذكاء الاصطناعي
على الرغم من هذه الموجة من التسريحات، يطمئننا الرئيس التنفيذي لمايكروسوفت، ساتيا ناديلا، بأن الشركة تخطط لزيادة عدد موظفيها في المستقبل، ولكن هذه المرة، سيكون التركيز على توظيف الكفاءات القادرة على تحقيق إنتاجية أعلى بفضل أدوات الذكاء الاصطناعي المتطورة.
وفي مقابلة إذاعية، صرح ناديلا قائلًا: “رغم التسريحات الحالية، سيعود النمو في التوظيف، لكن العاملين الجدد سيحققون إنتاجية مضاعفة بفضل الاعتماد على الذكاء الاصطناعي مقارنةً بالفترة السابقة”، مؤكدًا أن المستقبل يحمل في طياته فرصًا واعدة للموظفين القادرين على التكيف مع التكنولوجيا الجديدة، واكتساب المهارات اللازمة للاستفادة منها، فالذكاء الاصطناعي ليس تهديدًا، بل هو أداة قوية يمكن أن تعزز قدراتنا وتزيد من إنتاجيتنا.
### تغييرات جذرية في مفاهيم العمل.. الذكاء الاصطناعي يقود الثورة
يشير ناديلا إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد عملية “إعادة التعلم ونسيان الممارسات القديمة”، مؤكدًا أن البرمجيات الذكية مثل Microsoft 365 Copilot وGitHub Copilot ستمكن الموظفين من تطوير طرق عمل جديدة، وتحقيق نتائج أسرع وأكثر كفاءة، حيث يرى أن التغيير قادم لا محالة، وأن النجاح سيكون حليف أولئك الذين يتبنون التقنيات الجديدة ويتعلمون كيفية استخدامها بفعالية، فالمرونة والقدرة على التكيف هما المفتاحان لعبور هذه المرحلة بنجاح.
ويستند هذا التحول إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي المدعومة من OpenAI وAnthropic، حيث أصبح التخطيط والتنفيذ وحتى البحث المهني ينطلق من أدوات الذكاء الاصطناعي ابتداءً، وهذا يعني أننا نشهد تحولًا جذريًا في طريقة عملنا، حيث تلعب الآلات دورًا متزايد الأهمية في كل جوانب حياتنا المهنية، من المهام الروتينية إلى القرارات الاستراتيجية.
### تسريحات كبيرة في مايكروسوفت.. الأرقام تتحدث
شهدت مايكروسوفت في عام 2023 تسريح أكثر من 10 آلاف موظف، تبعتها جولات جديدة طالت حوالي 6 آلاف إضافية في مايو و300 وظيفة في يونيو، ليصل مجموع التقليصات في يوليو إلى 9 آلاف موظف على مستوى العالم، وهي أرقام تعكس حجم التحديات التي تواجهها الشركات التقنية في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم.
وعلى الرغم من هذه التخفيضات، حققت الشركة نمواً في الإيرادات بنسبة 12% وحققت أكبر هامش تشغيلي منذ عام 2002، مما يدل على أثر تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحقيق أرباح وكفاءة أعلى، وهذا يؤكد أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة لخفض التكاليف، بل هو محرك للنمو والابتكار، وقادر على تحقيق نتائج مذهلة إذا تم استخدامه بشكل صحيح.
### مستقبل سوق العمل في ظل الذكاء الاصطناعي.. نظرة إلى الأمام
يشير ناديلا إلى أن الشركات الكبرى اعتادت في السابق على تبني تقنيات ثورية مثل الفاكس والبريد الإلكتروني وجداول إكسل، والآن يتكرر الأمر مع الذكاء الاصطناعي لكن بوتيرة أسرع وبتأثير أعمق، مؤكدًا أننا على أعتاب ثورة تكنولوجية حقيقية، وأن الذكاء الاصطناعي سيغير قواعد اللعبة في كل الصناعات والقطاعات.
يوضح أنه يجب على الجميع الاستعداد لمرحلة جديدة مليئة بالتعلم وإعادة توزيع المهام التقليدية لصالح مهارات أكثر ارتباطًا بالتقنيات الذكية، حيث أن فرق العمل المدعومة بالذكاء الاصطناعي تستطيع الحفاظ على إنتاجيتها ومواجهة تحديات السوق الحديثة، فالاستثمار في تطوير المهارات الرقمية والقدرات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي هو استثمار في المستقبل، وسيساعدنا على الازدهار في عالم متغير باستمرار.
تؤكد تصريحات ناديلا أن مستقبل سوق العمل سيكون مرتبطًا بشكل وثيق بتقنيات الذكاء الاصطناعي، فبعد موجة تسريحات غير مسبوقة؛ تستعد الشركات لاستقبال موجة جديدة من التوظيف النوعي القادر على تحقيق إنتاجية عالية وتطوير وظائف تتطلب مهارات رقمية متقدمة، ما يضع قطاع التكنولوجيا أمام تغييرات جذرية في أسلوب العمل والتوظيف، فالتحدي الآن هو كيفية الاستعداد لهذه التغييرات، وكيفية تطوير المهارات اللازمة للاستفادة من الفرص التي يتيحها الذكاء الاصطناعي.
