رسام يعاني من اضطرابات نفسية ولوحته تباع بـ 120 مليون دولار

غالبًا ما ارتبطت عبقرية الفن بالجنون، فلطالما وُصف العديد من الرسامين عبر التاريخ بالغرابة بسبب سلوكياتهم وفنونهم غير التقليدية، وفي مقدمة هؤلاء يأتي الفنان الهولندي فنسنت فان غوخ، الذي أمضى فترات في مصحات الأمراض النفسية، وبلغ به الأمر إلى قطع جزء من أذنه، بل وأكل بعضًا من دهاناته ولوحاته، قبل أن ينهي حياته مأساويًا بإطلاق النار على نفسه.

وإلى جانب فان غوخ، يبرز اسم الفنان النرويجي إدوارد مونش، صاحب اللوحة الشهيرة “الصرخة” التي بيعت بمبلغ قياسي وصل إلى 120 مليون دولار في عام 2012، عانى مونش خلال حياته من اضطرابات نفسية عميقة انعكست على فنه وأدت إلى دخوله وخروجه من المصحات النفسية.

مسيرة إدوارد مونش المضطربة

ولد إدوارد مونش عام 1863 وعاش طفولة قاسية تركت آثارًا عميقة في نفسه، فقد فقد والدته بمرض السل وهو في الخامسة من عمره، وبعدها فقد أخته صوفي التي كان متعلقًا بها بالمرض نفسه، كما عانت أخته الأخرى من مرض الفصام (السكيزوفرينيا) وقضت معظم حياتها في المصحات، وفي عام 1889، توفي والده، هذه الظروف المأساوية أثرت بشكل كبير على صحة مونش النفسية، وعانى طوال حياته من الاكتئاب والقلق والخوف المستمر.

على الرغم من هذه الصعوبات، التحق مونش بمدرسة الفنون الجميلة في أوسلو، ثم سافر إلى العديد من المدن الأوروبية بحثًا عن الإلهام.

في بداية مسيرته، التقى مونش بالكاتب والفيلسوف العدمي النرويجي هانس جاغر، الذي شجعه على التعبير عن مشاعره الداخلية من خلال الرسم، لاحقًا، سافر مونش إلى فرنسا وتأثر بشكل كبير بفنانيْن مثل بول غوغان وفنسنت فان غوخ، قبل أن يتبنى لاحقًا التيارين التعبيري والرمزي في فنه.

أبدع إدوارد مونش خلال مسيرته الفنية أكثر من 1700 لوحة، إضافة إلى آلاف الصور والرسومات الأخرى، وتعتبر لوحات مثل “الصرخة” و”مادونا” و”الطفل المريض” من أبرز أعماله التي تباع بأسعار خيالية في المزادات اليوم.

لوحة الصرخة لمونش

معاناة مستمرة مع الاضطرابات النفسية

على الرغم من النجاح الفني الكبير، عانى إدوارد مونش طوال حياته من اضطرابات نفسية متنوعة، بما في ذلك الاكتئاب، ونوبات الهلع، والهلوسة، والاضطراب ثنائي القطب، هذه الاضطرابات أثرت بشكل كبير على لوحاته، حيث كان يسعى دائمًا إلى تصوير مزاجه وحالته الداخلية من خلال فنه.

لم تقتصر تأثيرات هذه الاضطرابات على فنه فقط، بل امتدت لتشمل حياته الشخصية وعلاقاته، ففي عام 1902، تشاجر مع عشيقته تولا لارسون، وأثناء الشجار، أطلق مونش النار من مسدس عن طريق الخطأ، مما أدى إلى إصابة يده اليسرى وأثر على قدرته على الرسم لاحقًا، كما انعزل عن العالم وأصبح حذرًا للغاية في تعامله مع الناس، وكان يتحدث ويضحك مع لوحاته الفنية، بالإضافة إلى ذلك، كتب مونش رسائل يشير فيها إلى أنه مراقب من قبل مجهولين.

لوحة بعنوان اليأس لمونش عام 1894

رفض إدوارد مونش بيع العديد من لوحاته خلال حياته، معتبرًا إياها بمثابة “أطفاله”، ونتيجة لذلك، عاش حياة متواضعة ولم يحقق ثروة كبيرة، وفي عام 1908، عانى مونش من انهيار عصبي بسبب الاكتئاب وإدمان الكحول، وبعد ذلك، وافق على الإقامة في مصحة نفسية لمدة ثمانية أشهر تقريبًا، وخلال بقية حياته، عانى مونش من نوبات عصبية متكررة واختار الابتعاد عن الناس، إلى أن توفي في عام 1944.

خلال فترة الثلاثينيات، وصف القائد النازي أعمال مونش، وبقية فناني الحداثة، بـ “الفن المنحط” وأمر بإزالتها من المتاحف الألمانية، وعندما غزت ألمانيا النرويج في عام 1940، قام مونش، البالغ من العمر 76 عامًا، بإخفاء لوحاته لحمايتها من النازيين.

بسبب معاناة مونش من الاضطرابات النفسية، وعدم استقراره في حياته، نجد أن أعماله الفنية تتسم بالتعبيرية القوية والرمزية العميقة، مما جعلها تحظى بتقدير عالمي واسع، وتعتبر مصدر إلهام للعديد من الفنانين حتى اليوم، وتعكس لوحاته مشاعره المضطربة وتجاربه المؤلمة، وتقدم نظرة فريدة إلى أعماق النفس البشرية.

تأثيرات إضافية على أعمال مونش

بالإضافة إلى ما ذُكر، يمكن تلخيص العوامل التي أثرت على أعمال مونش في النقاط التالية:

  • الظروف العائلية: وفاة والدته وأخته في سن مبكرة، ومعاناة أخته الأخرى من مرض الفصام، ووفاة والده، كل هذه الأحداث تركت آثارًا عميقة في نفس مونش وعكستها أعماله الفنية.
  • التأثر بالفنانين الآخرين: تأثر مونش بفنانين مثل بول غوغان وفنسنت فان غوخ، مما ساهم في تطور أسلوبه الفني وتبنيه التيارين التعبيري والرمزي.
  • الاضطرابات النفسية: لعبت الاضطرابات النفسية التي عانى منها مونش دورًا كبيرًا في تشكيل رؤيته الفنية وتعبيره عن مشاعره الداخلية من خلال لوحاته.
  • الفلسفة العدمية: تأثر مونش بالفيلسوف العدمي هانس جاغر، الذي شجعه على التعبير عن مشاعره الداخلية من خلال الرسم، مما أثر على موضوعات لوحاته وأسلوبه الفني.
أسعار لوحات إدوارد مونش
اسم اللوحة السعر التقريبي (بالدولار الأمريكي)
الصرخة 120 مليون
مادونا أكثر من 20 مليون
الطفل المريض أكثر من 10 مليون