«احتدام القلق البيئي: مشروعات أوروبا العملاقة وتأثير الذكاء الاصطناعي على الموارد المائية»

تسعى أوروبا إلى تعزيز مكانتها كمركز عالمي للذكاء الاصطناعي، غير أن هذا الطموح يواجه عائقًا بيئيًا كبيرًا: نقص المياه.

أعلنت المفوضية الأوروبية عن خطط لزيادة سعة مراكز البيانات الحالية إلى ثلاثة أضعاف خلال السنوات السبع المقبلة.

وحذر الخبراء من أن هذا التوسع قد يؤدي إلى تفاقم أزمة المياه، خاصة في جنوب القارة، حيث يعيش حوالي 30% من السكان في مناطق تعاني من “إجهاد مائي دائم”، وفقًا لتقرير نشرته شبكة “سي إن بي سي” واطلعت عليه “العربية Business”.

العطش الرقمي

تتطلب مراكز البيانات كميات هائلة من المياه لتبريد الخوادم ومنع ارتفاع درجة حرارتها، مما يزيد من قلق البيئيين حول استثمارات شركات التكنولوجيا الكبرى مثل “أمازون” و”مايكروسوفت” و”ميتا”، خاصة في دول مثل إسبانيا واليونان، حيث تعاني من جفاف مزمن.

قال كيفن غريكس، أستاذ سياسات المياه بجامعة أوكسفورد، إن بناء هذه المراكز في مناطق شبه قاحلة يدل على نقص في التفكير المتكامل في السياسات، مضيفًا أن السياسيين المحليين يركزون على جذب الاستثمارات بدافع خلق فرص العمل، بينما تأتي الاستدامة في المرتبة الثانية.

صدام المصالح في إسبانيا والمملكة المتحدة

في إقليم أراغون شمال شرق إسبانيا، تواجه خطط “أمازون” لبناء ثلاثة مراكز بيانات مقاومة قوية من المزارعين، الذين يشعرون بالقلق من استهلاك هذه المنشآت لمواردهم المائية.

وفي بريطانيا، أثار اختيار قرية كولهام كموقع لأول “منطقة نمو للذكاء الاصطناعي” مخاوف مشابهة، نظرًا لأنها قريبة من أول خزان مياه جديد في البلاد منذ ثلاثة عقود.

الاتحاد الأوروبي يراهن على الحوسبة الخضراء

تقول المفوضية الأوروبية إن خطط المبادرة الأوروبية للحوسبة الفائقة (EuroHPC) تركز على كفاءة الطاقة والاستدامة البيئية، مشيرة إلى أن الحاسوب العملاق “JUPITER” في ألمانيا يمثل نموذجًا يحتذى به، إذ يعمل بالكامل بالطاقة المتجددة ويعيد استخدام الحرارة الناتجة عن تشغيله.

يرى الخبراء أن المشكلة تتجاوز مجرد استهلاك الماء في عمليات التبريد، حيث أن أكثر من نصف البصمة المائية لمراكز البيانات تحدث خارج الموقع، في مراحل إنتاج الطاقة وتصنيع الرقائق الإلكترونية.

تحاول شركات التكنولوجيا تقليل استهلاك المياه من خلال إعادة التدوير واستخدام مياه غير صالحة للشرب، وتقول شركة مايكروسوفت إنها تختبر مراكز بيانات لا تستخدم المياه نهائيًا، بينما تعتمد منشأة “Start Campus” في البرتغال على تحلية مياه البحر وإعادة تدويرها لتبريد الأنظمة.

معركة بين الاستدامة والنمو

تشكل هذه المراكز العمود الفقري للاقتصاد الرقمي الأوروبي، إذ تُولد تريليونات الدولارات وملايين الوظائف، غير أن العلماء يحذرون من أن السباق نحو الذكاء الاصطناعي قد يزيد من تفاقم أزمة المياه في أوروبا.

وقد فرضت كل من هولندا وإيرلندا قيودًا على بناء مراكز بيانات جديدة بسبب المخاوف البيئية ونقص الطاقة، فيما تؤكد وكالة البيئة الأوروبية أن ثلث سكان القارة يعيشون بالفعل في مناطق تعاني من ضغط مائي خطير، مما يجعل أزمة “العطش الرقمي” تهديدًا مستقبليًا للقارة الخضراء.